إثبات وجود الله تعالى في دعاء عرفة
إثبات وجود الله تعالى في دعاء عرفة
لعلنا لو دققنا في هذا الدعاء الشريف لوجدنا تركيزاً واضحاً في كلمات الإمام الحسين عليه السلام لإثبات الخالق بصورة تقنع الإنسان في ضمن سلسلة مترابطة من مفردات هذا الدعاء، وكم هو جميل أن يدرج لنا الإمام بلا أن نخضعه لبراهين ومقدمات وو .. وإنما جاءت بصورة يفهمها كل إنسان يرجع بفطرته ووجداته للتأمل فيها .
قال عليه السلام إِلهِي أَنا الفَقِيرُ فِي غِنايَ فَكَيْفَ لا أَكُونُ فَقِيراً فِي فَقْرِي إِلهِي أَنا الجاهل فِي عِلْمِي فَكَيْفَ لا أَكُونُ جَهُولاً فِي جَهْلِي ...
هنا الإمام عليه السلام في هذا المقطع يشير الى إثبات وجوده جل شأنه، فكل الموجودات هي فقيرة ومحتاجة لذلك الكمال المطلق، وهو الله تبارك وتعالى؛ ليفيض عليها الوجود، فليس المقصود من الفقر، هو المادي المحسوس، وان كان الإنسان في حد ذاته ونفسه، فقير من جنبة مادية، أي بحاجة الى الحياة والطعام والشراب، ولولا الباري عز وجل لما عاش هذا الإنسان، ولكن الإمام يترقى الى ما هو أبعد من هذا المعنى، ويذهب الى أصل الوجود.
دليل الفقر والغنى
هذا الدليل يرتكز على أن كل موجود ممكن ومحتاج، لاحتياجه إلى ديمومة الوجود، وغيره من الحاجات المستفادة من الله سبحانه، فينحصر الغنى بواحد واجب لذاته، ومفيد لوجود غيره من الموجودات، أعني الله سبحانه. فهو الغني المطلق، وسائر الأشياء الموجودة فقراء محتاجون، وقد أشير إلى هذا الحصر في الكتاب الإلهي بقوله تعالى: { وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ }
وبعبارة سهلة وواضحة: نسأل هذا الإنسان الفقير والممكن، الذي لا يمكن أن يُوجد نفسه بنفسه، ونقول له : من الذي أوجدك؟ فإن قال فقير ممكن مثلي.
قلنا له: هذا محال؛ لأنه ما فرضته هو محتاج وفقير مثلك؛ لكي يُوجدك، والإ نقع في التسلسل، يعني الفقير يتوقف على وجود فقير آخر، ولا تنتهي هذه السلسلة، إلا أن نقول بوجود مطلق غني هو الذي أفاض عليه الوجود، وليس ذلك سوى الله تبارك وتعالى .
ثم قال عليه السلام أَنا الجاهل فِي عِلْمِي فَكَيْفَ لا أَكُونُ جَهُولاً فِي جَهْلِي.
الإمام عليه السلام، يقول أنا الجاهل بما تطلعني عليه في مكنون علمك، إذ هو وديعة يمكن أن تسلبها مني وقت ما تشاء، فكيف لا أكون جهولاً قبال ما أخفيته عني في أسرارك الكونية وعلومك الغيبية. وبعبارة أخرى يريد أن يقول عليه السلام: أنا في حال علمي إذا نسبته الى الله سبحانه فإني جاهل؛ لأني أستمد العلم منه تعالى، وفي حال جهلي، إذا نسبت إليه فإني جهول كثير الجهل، وهذه الصيغة هي صيغة المبالغة في الجهل، وهي تعني الحاجة المستمرة الى العلم من الله تعالى.
وحاشا الإمام من الجهل، ولكن هي صيغة كناية عن الحاجة والتكامل العلمي والمعرفي منه جل وعلا.
ثم قال عليه السلام : اِلهى تَرَدُّدى فِى الاْثارِ يُوجِبُ بُعْدَ الْمَزارِ، فَاجْمَعْنى عَلَيْكَ بِخِدْمَة تُوصِلُنى اِلَيْكَ، كَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْكَ بِما هُوَ فى وُجُودِهِ مُفْتَقِرٌ اِلَيْكَ، اَيَكُونُ لِغَيْرِكَ مِنَ الظُّهُورِ ما لَيْسَ لَكَ، حَتّى يَكُونَ هُوَ الْمُظْهِرَ لَكَ، مَتى غِبْتَ حَتّى تَحْتاجَ اِلى دَليل يَدُلُّ عَليْكَ، وَمَتى بَعُدْتَ حَتّى تَكُونَ الاْثارُ هِىَ الَّتى تُوصِلُ اِلَيْكَ، عَمِيَتْ عَيْنٌ لا تَراكَ عَلَيْها رَقيباً، وَخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْد لَمْ تَجْعَلْ لَهُ مِنْ حُبِّكَ نَصيباً...)
ما أروع وأدق هذه العبارة وهذه الكلمات فلنتأمل فيها، ولأي شيء يريد أن يُلفت أنظارنا الامام عليه السلام.
المراد من(الآثار) هي صنع الله وهذه التي نراها بين أعيننا، و(بعد المزار) أي طول الطريق الموصل الى الله تعالى.
والمعنى هو: إلهي أن توجهي الى آثار صنعك للاستدلال بها عليك، يجعل منها حجاباً بيني وبينك، وهذا الحجاب طويل وطريقه بعيد، فما أكثر ما يخوض الباحث عن المطلوب في الطريق الموصل اليه، فتتلوى وتتعرج أمامه المسالك، فهلاّ جمعتني عليك يارب دون حاجة الى اختراق سبل الآثار، وهلاّ أرشدتني إلى طريق أقرب، وتهديني إلى عمل يوصلني إليك، ويجعل قلبي مكاناً لتجلّي أنوارك، لأحسّ بك بقلبي بأسرع ما يكون .
(كَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْكَ بِما هُوَ فى وُجُودِهِ مُفْتَقِرٌ اِلَيْكَ؟! )
ثم يستفهم الامام الحسين عليه السلام :
كيف لي أن أستدل عليك، وأنا في وجودي مفتقر ومحتاج اليك؟ فهذا يستلزم وجود المخلوق قبل الخالق، وهذا دور، كما يقول أهل المنطق، ونقصد بالدور، هو: وجود الشيء قبل وجوده، أو توقف الشيء على نفسه، بمعنى أن (ألف يتوقف على باء، وباء يتوقف على ألف) فقالوا إن هذا لا يمكن ويستحيل، وهذا هو الدور بلغة مبسطة وواضحة.
(أيَكُونُ لِغَيْرِكَ مِنَ الظُّهُورِ ما لَيْسَ لَكَ، حَتّى يَكُونَ هُوَ الْمُظْهِرَ لَكَ، مَتى غِبْتَ حَتّى تَحْتاجَ اِلى دَليل يَدُلُّ عَليْكَ؟ وَمَتى بَعُدْتَ حَتّى تَكُونَ الاْثارُ هِىَ الَّتى تُوصِلُ اِلَيْكَ، عَمِيَتْ عَيْنٌ لا تَراكَ عَلَيْها رَقيباً؟!)
أيضاً يستفهم الإمام بغرابة وتعجب!!
كيف لشيء من مخلوقاته ظهور لا يكون له، في حين أن جميع الأشياء تستمد ظهورها منه، لأنه سبحانه قد وصف نفسه، بانه نور السماوات والأرض، { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ }.والنور هو المظهر للأشياء، لا أن الأشياء هي التي تظهره، فهو الذي أوجدها وأفاض عليها كل ما يحتاج اليه الإنسان وغيره، من حياة وغذاء وظهور، فكيف يحتاج في الظهور الى غيره، فهذا يستحيل في منطق العقل بل يمجه العقل .
إخترنا لكم
- ظاهرة الغلو في الدين .. مقاربات ومعالجات
- تكريمنا في المهرجان العالمي البحثي لاسبوع التحقيق السنوي
- رويكردى نو حديث غدير ( مقاربة جديدة في حديث الغدير )
- قناة كنوز المعرفة / قناة فكرية تخاطب العقل الإنساني الواعي
- تطبيق " صدرنا " كتب وبحوث المفكر الإسلامي محمدباقر الصدر
- صدور كتاب النظرية المهدوية في واقعها العقلي والروائي
- العلم الإجمالي وتطبيقاته على النصوص الحديثية والكلامية
- دراسة حديثة تتناول مناهج المحدثين في التشدد والتساهل والاعتدال وانعكاسه على التراث الحديثي
آخر الأسئلة و الأجوبة
- هل توجد آية قرآنية صريحة في ولاية علي عليه السلام؟
- الاقتران بين الحب للعترة الطاهرة والعمل هما المنجيان
- كيف تقرؤون نوعية الخطاب الديني والخطيب
- لماذا يتأوه أمير المؤمنين من قلة الزاد ووحشة الطريق ؟
- هل أن الشيعة لهم علم في الجرح والتعديل
- ماهي معايير الشيخ الكليني في تعارض الأحاديث
- ماهو الفرق بين مصطلح الوثاقة والوثوق