هل أن الشيعة لهم علم في الجرح والتعديل
هل أن الشيعة لهم علم في الجرح والتعديل. وهل لم قصب السبق في ذلك ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على حبيب اله العالمين المصطفى الأمجد الرسول المسدد أبي القاسم محمد . أما بعد , كثيرا ما يطرح المخالفون أن الشيعة لم يصنفوا في علم الرجال إلا متأخرا , ويقولون انهم سبقونا وبحكم أنني رأيت أن الفضل بن شاذان وابن أبي عمير والحسن ابن محبوب رضوان الله تعالى عليهم لهم آراء في الرجال، ووالد الشيخ الصدوق رضوان الله عليهم كان له رأي في هذا المضمار .
وفضلا منكم وليس أمراً نريد بيان أن الشيعة سبقوهم في هذا المضمار ليكفوا عن التدليس والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ( بو يوسف) .
الجواب :
نعم للشيعة قصب السبق في ذلك والتأريخ وكتب الحديث تشهد بذلك ، ولتحقيق هذا الأمر واستجلاؤه أنقل لكم مقالاً كتبته في هذا الموقع ونعيده للضروره فإنه يصب في هذا المجال فنقول :
لا يخفى أن دور وجهود الأئمة ^ في الحفاظ على السنة النبوية المطهرة فهم الامتداد الطبيعي والشرعي للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله لبيان الأحكام بل وجميع المعارف الدينية، وهذا ما خصهم الله به، فقد ورد الحث على التمسك بالقرآن والعترة في آن واحد، فقد روى مسلم بن الحجاج النيسابوري في صحيحه عن زيد بن أرقم عن رسول الله ’:>وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال، وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي..<([1]). ولعل واحدة من أهم الطرق للحفاظ على السنة النبوية الطاهرة نقية صافية من شوائب التحريف والوضع هو التأكيد على الإسناد والنظر والتدقيق في سلسلة من يروي لنا الأحاديث ؛ لذا كانت كلماتهم عليهم السلام في هذا الصدد جلية واضحة ، فلنقرأ ولنتأمل في هذه المفردات التي وردت عن لسانهم لنعي قيمته وأهميته في حفظ شريعة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، ولندفع في نفس الوقت ما يُثيره البعض من أن الشيعة لا يعتنون بالاسانيد وغير ذلك من هذه الكلمات التي تنطلق من أفواه غير متأنية فيما تقول بل جل همها هو النيل من كيان التشيع ...
الإمام علي وتأكيده على أن الإسناد من الدين
روى الخطيب البغدادي عن مجاشع بن قطبة قال سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو في مسجد الكوفة يقول:> انظروا عمن تأخذون هذا العلم فإنما هو الدين <([2]).
وهذا القول نعتقد أنه من مختصات علي عليه السلام فهو الأصل فيه، وما نقله المحدثون عن ابن عباس، والحسن البصري وزيد بن أسلم وأبي هريرة والضحاك بن مزاحم، ومالك ابن أنس، وابن المبارك وغيرهم، كلهم اقتبسوا هذا الكلام منه عليه السلام .
لذا نجد أن الإمام سليمان بن خلف الباجي، المتوفي سنة ( 474 هـ) يسجل استغرابه من شهرته عن محمد بن سيرين، قال:> واشتهر به كثيرا: محمد بن سيرين . ولا ندري أهو من تصادف الخواطر، أم قائله واحد ثم تناقله باقي الأئمة مضافاً إلى كل من هؤلاء حسب سماعهم منهم<([3]).
ثم يشرح الإمام الباجي مفردات هذا الحديث الشريف قال:> وفي قوله: انظروا عمن تأخذونه أي: ابحثوا هل الراوي عدل ضابط أو هو غير ذلك . وليس معنى ذلك إلا الجرح والتعديل، فخذوا عمن كان ثقة ودعوا غيره
وفي قوله: إنما هو الدين: قصر وتأكيد بليغ لا يتم إلا بالبحث في أحوال الرجال، الذي ليس هو من الغيبة في شئ، بل على العكس من ذلك أمر واجب لا مناص منه لتسلم السنة من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم<([4]).
وهكذا نجد علياً × وأهل بيته كلماتهم منصبة في طلب الاسناد ؛ لان الحديث ما لم يُقوّم بهذا الميزان كيف يمكن أن يُطمأن له ، لذا نجده طالما يردد هذه المقولة :
> إذا حدثتم بحديث فأسندوه إلى الذي حدثكم فإن كان حقا فلكم وإن كان كذبا فعليه<([5]). فهنا يحثهم على طلب الإسناد، ومن هنا نفهم أن علياً كان سباقاً في هذا المضمار ؛ لأنه كان يستحلف الرواة الذين ينقلون حديث رسول صلى الله عليه وآله ، فالظاهر أنه كان يطالبهم بالإسناد، ليتحرى صدق الناقل في مروياته ؛ لأنه هو القائل إذا حدثتم بحديث فاسندوه ..
الإمام الباقر والصادق وتأكيدهما على أخذ الحديث من الرواة الثقات
وهذا حفيده الباقر عليه السلام ينهل منه ويؤكد على طلب الإسناد أيضاً:> سارعوا في طلب العلم، فو الذي نفسي بيده، لحديث واحد في حلال وحرام تأخذه عن صادق، خيرٌ من الدنيا وما حملت، من ذهبٍ وفضةٍ، وذلك أنَّ اللَّه يقول: «ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا»([6]). وفي هذا النص يؤكد على أن الحديث يجب أن يؤخذ من الصادق أي الثقة، وهو خير من الذهب والفضة، بل من الدنيا وما حملت . وقد ركزّ وشدد أهل البيت ^ على هذه المسألة بشكل قلّ نظيره ؛ لأن الإسناد في نظرهم هو القطب والمحور الذي تدور عليه رحى الأحاديث ؛ بمعنى آخر أن صحة السند تعني نقاء السنة من شوائب الوضع والاختلاق والجعل .
وهكذا الإمام الصادق ×يسير بنفس الأثر، بقوله:> إياكم والكذب المفترع، قيل له: وما الكذب المفترع؟ قال: أن يحدثك الرجل بالحديث فتتركه وترويه عن الذي حدثك عنه<([7]).
وقد تعقّب المجلسي في البحار هذا الحديث قائلاً:> ِلمَ وُصف هذا النوع من الكذب بالمفترع ؛ لأنه حاجز بين الرجل وبين قبول روايته - من فرع فلأن بين الشيئين - إذا حجز بينهما، وقيل: لأنه يزيل عن الراوي ما يوجب قبول روايته والعمل بها<([8]).
الإمام الرضا واحتياطه في الإسناد
وكذلك الإمام الرضا عليه السلام حيث يروي لنا أحمد بن عمر الحلاّل، قال: قلتُ لأبي الحسن الرضا عليه السلام:> الرجل من أصحابنا يعطيني الكتاب، و لا يقول: إروِهِ عنّي، يجوز لي أن أرويه عنه؟ قال: فقال: إذا علمت أنَّ الكتاب له، فاروِه عنه » فهنا قيّد الإمام وأجاز رواية الكتاب بشرط العلم به مخافة أن يكون فيه التزوير والتحريف .
لذا نجد أن البحث والتنقيب والدقة وصل إلى مرحلة عند رواة الشيعة بحيث يعتبرونه من الدين، كما يُفصح عنه سؤال بعض الأشخاص عن وثاقة بعض من ينقل الحديث وهو يونس بن عبد الرحمن، حيث يقول هذه السائل للإمام:> أفيونس بن عبد الرحمن ثقة، آخذ منه ديني <([9]).
وعن عليّ بن المسيّب قال: قلتُ للإمام الرضا عليه السلام:> شُقّتي بعيدة، ولست أصل إليك في كلّ وقت، فعمّن آخذ معالم ديني؟ فقال: مِن زكريّا بن آدم القمّي، المأمون على الدين والدنيا »([10]).
وفي بعض الأخبار> أنه الثقة المأمون فاسمع له وأطع <([11]). وهذا صريح في أن الرواية لابد من إحراز صحة سندها ووثاقة رواتها ؛ لأنها دين .
الإمام علي عليه السلام رائد علم الجرح والتعديل
ثم لو تأملنا بتلك الوثيقة التي يرسمها أمير المؤمنين عليه السلام بأبهى وأروع صورة في علم الرجال والدراية والجرح والتعديل، فهو بحق يُعد الرائد المؤسس لهذا العلم، وفي نفس الوقت نرى مدى الدقة والحرص في اختيار الأحاديث حقها من باطلها وصدقها من كذبها وحفظها من وهمها، وذلك حينما سأله سائل عن أحاديث البدع وعما في أيدي الناس من اختلاف الأحاديث، فقال:> إن في أيدي الناس حقاً وباطلاً وصدقاً وكذباً وناسخاً ومنسوخاً وعاماً وخاصاً ومحكماً ومتشابهاً وحفظاً ووهماً، وقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم على عهده حتى قام خطيبا فقال ( من كذب على متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ) وإنما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس:
1- رجل منافق مظهر للإيمان متصنع بالإسلام، لا يتأثم ولا يتحرج، يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم متعمداً، فلو علم الناس انه منافق كاذب، لم يقبلوا منه ولم يصدقوا قوله،...فهذا أحد الأربعة.
2- ورجل سمع من رسول الله شيئا لم يحفظه على وجهه، فوَهم فيه ولم يتعمد كذباً، فهو في يديه، ويرويه، ويعمل به، ويقول: أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلو علم المسلمون أنه وهم فيه لم يقبلوه منه، ولو علم هو أنه كذلك لرفضه.
3- ورجل ثالث سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً يأمر به، ثم إنه نهى عنه، وهو لا يعلم، أو سمعه ينهى عن شيء، ثم أمر به وهو لا يعلم، فحفظ المنسوخ، ولم يحفظ الناسخ، فلو علم أنه منسوخ لرفضه، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه .
4- وآخر رابع لم يكذب على الله ولا على رسوله مبغض للكذب خوفاً من الله وتعظيماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يهم، بل حفظ ما سمع على وجهه، فجاء به على سمعه لم يزد فيه ولم ينقص منه، فهو حفظ الناسخ فعمل به، وحفظ المنسوخ فجنب عنه، وعرف الخاص والعام والمحكم والمتشابه، فوضع كل شيء موضعه.
وقد كان يكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلام له وجهان: فكلام خاص، وكلام عام، فيسمعه من لا يعرف ما عنى الله سبحانه به، ولا ما عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيحمله السامع، ويوجهه على غير معرفة بمعناه، وما قصد به، وما خرج من أجله، وليس كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان يسأله ويستفهمه، حتى إن كانوا ليحبون أن يجيء الأعرابي والطارئ، فيسأله عليه السلام حتى يسمعوا، وكان لا يمرّ بي من ذلك شيء إلا سألته عنه وحفظته، فهذه وجوه ما عليه الناس في اختلافهم وعللهم في رواياتهم<([12]).
إذن أهل البيت ^وأصحابهم وشيعتهم هم السبّاقون في هذا الميدان، وهذا جلي وواضح؛ لأنهم الثقل الثاني الذي أوصى وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله أمته بالتمسك بهم لحفظ السنة النبوية الطاهرة.
الهوامش :
([1]) صحيح مسلم، ج 7 ص123.
([2]) الكفاية في علم الرواية، ص 15 .
([3]) التعديل والتجريح ، سليمان بن خلف الباجي، ج1 ص 41 .
([4]) المصدر نفسه، ج1 ص 41 .
([5]) الكافي، ج1 ص 52 .
([6]) أحمد بن محمد بن خالد البرقي، المحاسن، ج1 ص 227 .
([7]) المصدر نفسه، ج1 ص 52 .
([8]) محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج 2 ص159 .
([9]) المصدر نفسه، ج 2 ص251 .
([10]) الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 27 ص 146 .
([11]) الكافي، ج 1 330ص .
([12]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة:ج11ص38.
إخترنا لكم
- ظاهرة الغلو في الدين .. مقاربات ومعالجات
- تكريمنا في المهرجان العالمي البحثي لاسبوع التحقيق السنوي
- رويكردى نو حديث غدير ( مقاربة جديدة في حديث الغدير )
- قناة كنوز المعرفة / قناة فكرية تخاطب العقل الإنساني الواعي
- تطبيق " صدرنا " كتب وبحوث المفكر الإسلامي محمدباقر الصدر
- صدور كتاب النظرية المهدوية في واقعها العقلي والروائي
- العلم الإجمالي وتطبيقاته على النصوص الحديثية والكلامية
- دراسة حديثة تتناول مناهج المحدثين في التشدد والتساهل والاعتدال وانعكاسه على التراث الحديثي
آخر الأسئلة و الأجوبة
- ماهو الفرق بين مصطلح الوثاقة والوثوق
- كيف لي أن أتقبل النقد ؟ وهل النقد حالة صحيّة ؟
- ما المقصود بالتعارض البدوي في الروايات الشيعية ؟
- كيف تقرؤون المفاهيم القيمية والإنسانية عند الإمام الكاظم (ع)
- ما هو الكتاب المهم في رد الإلحاد المعاصر
- هل من ترك زيارة الحسين (ع ) من غير علة يستحق الدخول في النار؟
- كيف يحصل لي اليقين القطعي بوجود الله تعالى ؟