حقيقة الدين / الفيلسوف جوادي آملي
كتاب مهم اُوصي الاحبة بقراءته / للفقيه والفيلسوف الشيخ جوادي آملي
يكتسب هذا الكتاب أهميته بطريقين, الأول: مكانة المؤلف العلمية؛ إذ هو من الشخصيات التي قلّ نظيرها في العالم الإسلاميّ، ومن ركائز الحوزة العلمية والثقافية لعالم التشيّع والإسلام، هو الحكيم المفكر. ولد آية الله الشيخ عبد الله الجوادي الآملي في مدينة آمل سنة 1933م، والده المرحوم حجة الإسلام والمسلمين الميرزا أبو الحسن الجوادي الآملي (من العلماء الروحانيين المشهورين في عصره) كان خطيباً وفقيها متقياً، أجداده أهل فضيلة وعلم، وقد رافقته يد الرعاية الإلهية بهداية العلماء والأفاضل وإرشادهم..قضى الشيخ خمس سنوات في طهران، ثم عزم على الترحال إلى الحوزة العلمية المباركة في قم سنة 1955م، وتتلمذ فيها على علمائها الأعلام من أمثال: آية الله العظمى البروجرديّ ، والإمام الخمينيّ، والسيد محمد حسين الطباطبائيّ، وآية الله المحقق الداماد ؛ إذ بلغ على أيديهم المقامات العليا في الفقه، والأصول، والفلسفة، والكلام، والعرفان، والتفسير.كانت حصيلة خمسين عاماً من التحصيل والتدريس والتحقيق، العشرات من المجلدات، والمئات من المقالات والرسائل العلمية في مختلف العلوم الإسلامية؛ نذكر منها: التفسير الموضوعي في أكثر من سبعة عشر مجلداً.
تسنيم ـ تفسير ترتيبي للقرآن الكريم،وشرح الحكمة المتعالية في عشرة مجلدات وهو قيد الإتمام..وعين نضاخ وهو تحرير لتمهيد القواعد،وأسرار الصلاة,ونظرية المعرفة في القرآن الكريم.
أما الطريقة الأخرى التي يكتسب الكتاب قيمته منها فهي المادة العلمية التي إحتواها الكتاب, وقد سار المؤلف في كتابه على وفق خطة منهجية أساسها عرض الآراء في القضية المراد بحثها ومناقشة هذه الآراء ثم ذكر الرأي الصحيح الذي يعتمده المؤلف مشفوعاً بالأدلة والبراهين،ويسعى المؤلف في هذا الكتاب (حقيقة الدين) أو (ماهية الدين) ضمن ستة فصول، إلى طرح جملة من المباحث في فلسفة الدين، فقد اهتم في الفصل الأول منه بتقديم تعريف جامع للدين، فهناك العديد من التعاريف المتنوعة والمختلفة قد قدمت حوله نتيجة الرؤى الكونية المختلفة، وأدى هذا التنوع إلى التشكيك في أصل الدين نفسه. وتعدّ مسألة ـ الإنسان والدين ـ ونوعية العلاقة بينهما، من أهم البحوث التي تعنى بالدراسة في فلسفة الدين، ولرسم صورة واضحة ودقيقة عن نوعية هذه العلاقة، يغدو الفهم السليم لحقيقة الدين وماهية الإنسان ضرورة ملحة، تتحدد من خلالها طبيعة الرابطة التي تجمعهما,ويتطرق المؤلف ضمن الفصل الثاني إلى بحث منشأ الدين من خلال بيان مختلف المعاني المتصورة له، إنّ المعرفة السليمة للعالم، وللإنسان وللدين، تمهِّد الطريق للنزوع نحو الدين، وعلى العكس من ذلك، يؤدي عدم معرفة تلك المفردات إلى نتيجة عكسية من خلال تمهيد الأرضية للنفور والهروب من الدين,فمن حصر العالم في المادّة ويعتقد بما ورائها – أي الغيب – أو أنّه يعتبر العالم منقطع المبدأ والبقاء، فإنّه لا يرى أيّ ضرورة تذكر لوجود المبدأ والمعاد، إثر ذلك ينفي وجود الصراط المتمثّل في الوحي والنبوّة الذي يوصل المبدأ بالمعاد، ولن يكون له أيّ نوع من الميول إلى الدين.
أما من لم يعرف الإنسان ولم يدرك أبعاده الوجودية المختلفة ولم يطّلع على حاجاته الواقعية، فإنّه إضافة إلى إيمانه بعدم ضرورة الدين، يكون في حالة فرار ونفور من هذا الأمر، كمّا أنّ من يعرف الإنسان دون أن يعرف طبيعة العلاقة التي تربطه بالعالم وبقية أفراد نوعه، فإنّه لا يشعر بالحاجة إلى الدين ومن ثمة لا يميل إليه ولا يرغب فيه,ومن كانت عنده فكرةٌ خاطئةٌ عن الدين، بأنْ عدّه سحراً وشعوذةً أو خرافاتٍ أو يظن أنّ مسائله سمجة التعقل وعصيةٌ على الذهن، وعندئذٍ لا يمكنه لمس حقيقة الدين، فمن الطبيعي أنْ يعرض عن الدين وينفر منه، مثلما فعلت الماركسية عندما عدّته الأفيون والمخدر للشعوب,وأما في الفصل الثالث، فيطرح بحث جوهر الدين وصَدَفِه، بحيث عمل على التفكيك بين هذين المعنيين، وأوضح أي المسائل تعد هي الجوهر وأيها يعدّ الصَّدَف. هذا التمثيل يشمل اللبّ والفرع معا – مثل المشكاة في المصباح، وهذا المصباح وضع في زجاجة، كي تنير وتبقى محفوظة – لكن علينا أن نعلم أنّ التمثيل يبقى مقرّبًا من بعض الجهات مبعّدا من جهاتٍ أخرى؛ لأنّ الدين نورٌ كلّه، ولا تتمثل بعض أحكامه وأخلاقياته بالزجاجة التي لا تتوهج بذاتها.فإذا كانت الشريعة قد مُثّلت بمثال القشر فلأنّها تحفظ اللّب، كما يحفظ الفانوس الشعلة من الانطفاء، ولو تحطّم الفانوس والمصباح والزجاجة، فلن يستضيء الإنسان من نورها؛ وعلى هذا، لو تركت الشريعة، فلا يمكن الاستفادة من أصل الدين والتوحيد،ولأن بحث لغة الدين هو أحد البحوث التي تعنى بالدراسة ضمن فلسفة العلم، فقد أدرج الشيخ فصلاً هو الرابع حولها، بيّن فيه هذه المقولة وأوضح الفرق بينها وبين لغة العلم ولغة العرف، وذلك من خلال التركيز على لغة القرآن الكريم وخصائصها. ولما كانت دائرة هداية القرآن الكريم على مستوى الناس كافة، وكان مجال إرشاده كل عصر ومصر، فإنّ لغته اتخذت بعدًا عالميا، يعني أنّ موضوعاته تشمل العالم، وقابلة للفهم عند البشرية أجمع في كل زمان ومكان,وليست لغة القرآن، مجموعة ألفاظ ومفردات؛ لأنّ معارف القرآن تمثلّت أمام أعين الناس في صورة اللغة والأدب العربي، ومن لا يعرف لغة العرب، قبل تعلّم اللغة والأدب العربي لا يعرف القرآن. وإنما المراد من لغة القرآن وشموليتها وبشريتها، هو الكلام على أساس الثقافة المشتركة بين الناس، فمع اختلاف الناس من حيث الألسنة والثقافات القومية والإقليمية، إلا أنّهم يتشاطرون ثقافة الإنسانية، ثقافة الفطرة الراسخة والثابتة، التي جعلها القرآن الكريم وسيلةً يتحدث بها إلى الناس. فالمخاطب الأصلي للقرآن هو فطرة الناس، و رسالته الأساسية هي تفتحها وإثارة دفائنها، من هنا كانت لغته معروفة لدى الجميع، وفهمها ميسور للبشر كافة، ولأنّها اللغة العالمية المشتركة بين الناس كافة في كل عصر ومصر، فإنّ الانتفاع من معارف القرآن، لا يقتضي ثقافة خاصة بعينها، حتى يستحيل من دونها بلوغ الأسرار القرآنية، ولا يتطلب مدنيّة وحضارة خاصة حتى تحرم بعض الفئات من نيل لطائفه, وأخذ موضوع العلاقة بين العقل والدين حصة الأسد في هذا الكتاب وذلك في خامس فصل منه، بحث فيه المؤلف نوعية العلاقة بين العقل والدين، وأوضح كيف يمكن أن يكشف التناسب والانسجام الدائم بينهما؟ تعدّ العلاقة بين العقل والدين والنسبة بينهما، من أشهر الأبحاث وأعقدها التي ضربت بجذورها في أعماق تاريخ الفكر البشري، وبمجرد أنْ يطرح هذا الموضوع ويرد ذكر مسألة العقل والوحي أو العقل والنقل – أو تحت أيّ عنوان آخر – كالعقل والشريعة أو العقل والإيمان، بل أحيانًا يجعل العقل في مقابل الإيمان، فإنّ زوبعةً من الأسئلة تثار خلفه، إلّا أنّ هناك سؤالين قد يبرزان أكثر من غيرهما:
الأول: هل للعقل منزلة في ساحة الدين والنقل والشريعة أو لا ؟ وإذا كانت له منزلة، فأين تكمن؟ هل يقع العقل في عرض واحد مع الدين أو في طوله؟ وإذا كان في طوله، هل هو مرتبة أسبق منه أو أنّه يتأخر إلى مرحلة بعد الدين ؟ أما السؤال الآخر الذي يطرح نفسه بقوة فهو: هل للعقل دور في تبيين الأنساق العقدية الدينية؟ هل يتقدم العقل على الإيمان أو العكس؟ هل حصول الإيمان منوطٌ بأنْ يكون للمرء أدلةٌ متقنةٌ ليقتنع بصدق إيمانه أو لا ؟ في حين تعرض الكاتب في آخر فصل منه إلى دراسة مسألة التعددية الدينية، وكثرة الأديان. لا تعني نظرية التعددية الدينية بدراسة إمكانية انصهار البشرية على اختلاف عقائدهم ومذاهبهم وأديانهم في بوتقة مجتمع واحد أو عدم إمكانيّته، يتعايشون في ما بينهم سلميا؛ لأنّ وجود طوائف تحيا حياة هادئة ومشتركة على الرغم من اختلافها فكرياً وعقدياً ومذهبياً ودينيًا هو أمرٌ يمكن وقوعه وتحققه في أرض الواقع.
إنّ التعايش السلمي بين الملل والقوميات المختلفة لا يعني بالضرورة أنْ تعدّ كل واحدةٍ منها الأخرى من أهل جهنم، وأن تنفيها بالأصالة.
فالحاجة الملحة قد تقتضي أنْ تعيش كل واحدةٍ منها جنبا إلى جنب مع الأخرى، فمن الممكن أن ترى كلا منهما الأخرى باطلةً ومعذورةً، وليست من أهل الجحيم، لأنّه ليس كلّ باطلٍ ومبطلٍ في جهنم، ومسألة تمييز الحق ليست بمنأى عن الاشتباه، ولو أخطأ الإنسان تحديد الهدف بعد أنْ بذل سعيه، فمن المحتمل أنْ لا يكون مآله إلى النار، ولو أنّه في مقابل ذلك لن ينال حظاً من فيض الحق,ومن هنا قام الأستاذ الكبير آية الله جوادي الآملي أستاذ الفلسفة الإسلامية في الحوزات العلمية ـ بالتعرّض إلى الدين والبحث في حقيقته، وقد امتاز بالعلمية والموضوعية والمنهجية، مبتدئاً من بيان معنى الدين والوقوف عند مناشئه، لينتقل بعدها إلى بحث المحور الأساسي في هذه الدراسة، وهو البحث في حقيقة الدين وجوهره ليميَّز هذه الحقيقة عن الأمور القشرية، وكيف أن هذه الحقيقية تمثل قوام الدين، وقد ناسب البحث في حقيقة الدين أن يتعرّض الأستاذ الباحث إلى مسألة بحثية عصرية في غاية الأهمية، وهي مسألة التعددية الدينية، والتي قد يُطلق عليها أحياناً بتعدد القراءات.
تحميل الملفإخترنا لكم
- ظاهرة الغلو في الدين .. مقاربات ومعالجات
- تكريمنا في المهرجان العالمي البحثي لاسبوع التحقيق السنوي
- رويكردى نو حديث غدير ( مقاربة جديدة في حديث الغدير )
- قناة كنوز المعرفة / قناة فكرية تخاطب العقل الإنساني الواعي
- تطبيق " صدرنا " كتب وبحوث المفكر الإسلامي محمدباقر الصدر
- صدور كتاب النظرية المهدوية في واقعها العقلي والروائي
- العلم الإجمالي وتطبيقاته على النصوص الحديثية والكلامية
- دراسة حديثة تتناول مناهج المحدثين في التشدد والتساهل والاعتدال وانعكاسه على التراث الحديثي
آخر الأسئلة و الأجوبة
- ماهو المراد من هذه العبارة : الجرح امر وجودي والتعديل عدمي
- مخطط تفصيلي لخريطة ومشجرة تقسيم الخبر
- كيف نتعامل مع الإشاعة وما هي الطرق لمواجهتها
- هل أن الشيعة لهم علم في الجرح والتعديل
- هل من ترك زيارة الحسين (ع ) من غير علة يستحق الدخول في النار؟
- لايزال ذم المرأة في عصر الحداثة وكونها ناقصة العقل ..كيف تردون على ذلك ؟
- هل المهم أن نحفظ القرآن أو نستنطقه ونتدبره