حين ينطق الكون ، حوارات في العقل والإيمان - الحلقة الأولى
حين ينطق الكون – حوارات في العقل والإيمان
يحيى عبد الحسن هاشم
في أعماق كل إنسان، هناك سؤال قديم...
ربما لم يُنطق به، لكنه يعيش في ثنايا القلب والفكر:
"من أنا؟ ولماذا هذا الكون؟ وهل كلّ هذا وُجد بلا قصد؟"
لسنا هنا في ساحة جدال، ولا في مناظرة لاستعراض المفاهيم.
بل نحن في رحلة فكرية، تسير بهدوء، بين العقل وما تراه العين في هذا الوجود، بين الروح والتأمل، بين دهشة الوجود وصوت السؤال.
هذه السلسلة الحواريّة، "حين ينطق الكون"، هي لقاء بين شخصيتين:
سليم، شاب مثقف، لا يؤمن بالله، لكنه لا يُعادي الفكر، بل يبحث بصدق عن جواب يرضي العقل.
آدم، مؤمن متزن، لا يكتفي بالإيمان العاطفي، بل يُحب أن يبني أفكاره ورؤآه على الفطرة والعقل والتجربة.
نستعرض في هذه السلسلة أهم الأدلة العقلية على وجود الخالق، لا بأسلوب الوعظ، بل بلغة الحوار الصادق، الذي يحترم السائل، ويكرم العقل، ويُصغي لنبض الإنسان.
نبدأ رحلتنا بما يسمّيه أهل الحكمة:
دليل النَّظم.
ذاك البرهان الذي لا يتكلم بالعبارات، بل يُفصح من خلال النجوم، والخلية، والورقة، والذرة...
ذلك الذي يجعل من الكون كتابًا مفتوحًا، لمن يقرأه بعين العقل لا العادة، وبقلبٍ لم تغمره الضوضاء.
فهل يمكن أن يكون هذا النظام كله... بلا منظّم؟
وهل يمكن أن يكون الجمال الذي يأسر عقولنا... صنيعة صُدفة؟
لنترك هذه الأسئلة تُفتح في أذهاننا بهدوء...
ونمضي في الحلقة الأولى، حيث يبدأ الحوار... حين ينطق الكون.
لماذا أطلقتُ هذا البرنامج؟ (مقدمة تأسيسية للمشروع)
في زمن تتداخل فيه الأصوات وتتنازع فيه العقول بين التيارات والاتجاهات، وجدتُ نفسي مدفوعًا – لا بوصاية فكرية، بل بحسٍّ مسؤول – أن أُطلق هذه السلسلة الحوارية:
رحلة البحث عن الحقيقة ضمن برنامج: حين ينطق الكون.
ليست هذه المبادرة رد فعلٍ عاطفي على موجة الإلحاد، ولا محاولة لإعادة إنتاج الخطاب الديني التقليدي، بل هي استجابة عقلانية هادئة لهمومٍ تتسرّب إلى وعي أبنائنا وبناتنا:
للأسف وأقولها بحرارة هناك طلاب جامعيون تأثروا بقراءات مجتزأة من فلاسفة ماديين في تفكيرهم ورؤآهم .
شباب يبحثون بصدق، لكنهم يفتقدون الترتيب المنهجي في التفكير.
عقول طيّبة انجذبت لأسلوب الإنبهار العلمي دون أن تسأل: هل هذا "علم" أم "رأي ملفوف بثوب العلم"؟
قلوب قلقة تقرأ كثيرًا، ولكن بعشوائية، فتتعب دون أن تهتدي.
هذه السلسلة لا تزعم احتكار الحقيقة أبداً، بل هي دعوة للحوار النزيه والتأمّل العميق، نُخاطب فيها العقل والقلب معًا، ونُقدّم فيها الأدلة لا الخطابة، والاحترام لا التجريح، والمعلومة لا السطحية.
لنبدأ بأسئلة أساسية :
1. هل لهذا الكون خالق؟
وهذا ما تم الإجابة عنه في الحلقات التي قدمناها للأحبة وسنستمر فيها بحسب ضرورتها ..
2. هل وجوده ضرورة عقلية؟
سيأتي لاحقًا .
3. وإذا وُجد، فما صفاته؟ وهل يتواصل معنا؟
4. وما دورنا نحن في هذا الوجود؟
إنها رحلة فكرية وإنسانية… هدفنا أن نُعيد للبحث عن الحقيقة جماله، ووقاره، وأصالته.
وأخيرا ؛
أحبّتي…
سنُناقش كلّ شيء، بلا خوفٍ من السؤال، ولا خشية من العمق. سنبسّط المفاهيم، ونطرحها كما لو كنّا نكتشفها معًا لأول مرّة.حتى الفيزياء الكميّة أو الكم، بكل ما فيها من غرابة وتعقيد ربما، سنخصص لها حلقات، نشرحها بلغة واضحة، يفهمها الصغير والكبير، ويستوعبها من له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد.
سنمضي في هذه الرحلة معًا… بأسلوبي المعهود لكم، والذي أرجو أن يصل إليكم بصدق، وأن يُنير لكم الطريق بإذن الله تبارك وتعالى.
الحلقة الأولى: دليل النَّظم – هل النظام وليد المدبر والناظم أم الصدفة والإتفاق؟
المشهد: مقهى هادئ، في زاوية مطلة على المدينة ليلًا. أنوار متناسقة، والناس تمشي في أزقة المدينة بهدوء ..
سليم (يتأمل المدينة):
أتعلم، أحيانًا حين أنظر إلى جسدي نفسه… أجد في داخلي مصنعًا يعمل بصمت…
قلب لا يتوقّف، أعصاب تنقل الإشارات، هضم، تنفس، نمو…
كأن جسمي يعرف ما عليه أن يفعل… دون أن أطلب منه شيئًا.
آدم (بابتسامة مطمئنة):
وهنا يا صديقي... يسكن واحد من أعظم أبواب العقل إلى الإيمان.
جسمك ليس مجرد تفاعلات… بل نظام محكم، يشتغل بدقة تفوق أعقد آلات البشر.
سليم:
لكنه نتاج تطور طويل، أليس كذلك؟
الطبيعة طوّرت الجسم، الدماغ، العيون، واليدين، عبر ملايين السنين… لا حاجة لخالق.
آدم:
سؤال صغير فقط:
هل "الطبيعة" تمتلك عقلًا؟
هل التطور أعمى يمكنه أن يُنتج ما هو أذكى من نفسه؟
خذ مثلًا العين…
– العدسة تنفتح وتنغلق أوتوماتيكيًا
– الشبكية تحوي أكثر من 130 مليون مستقبل ضوئي
– ترسل الإشارات إلى الدماغ، الذي يترجمها إلى صورة، في أجزاء من الثانية
هل تتخيّل أن شركة سامسونغ أو سوني يمكنها أن تُنتج مثل هذه "الكاميرا" دون مئات المهندسين؟
سليم (يتأمل بعمق):
هذا فعلاً عجيب… لكن هل هذا يعني مباشرةً أن هناك "إلهًا"؟
آدم:
لا أقول مباشرةً.
أنا فقط أُسلّم بالنتيجة التي يُقرّها العقل:
أن كل نظام مُتقن يدل على عقل مُتقن خلفه.
وإذا كان ما يصنعه الإنسان يدل على صانع، فهل صنع الإنسان نفسه لا يدل على صانع؟
سليم (يهمس):
أنا لا أملك جوابًا الآن… لكنّ سؤالك لم يمرّ عليّ بهذه الصيغة من قبل.
آدم (بهدوء):
ولذلك قلت لك: الإيمان ليس قفزًا في المجهول… بل هو يسير بالعقل نحو المعلوم .
ختام الحلقة الأولى – حكمة تفكرية:
"إذا دلّ اتساق الساعة على صانعها، أفيدلّ اتساق الكون على غياب صانعه؟"
في الحلقة القادمة نواصل ما بدأنا به من دليل النظم الدقيق .
إخترنا لكم
- حين ينطق الكون ، حوارات في العقل والإيمان - الحلقة الأولى
- سُنّة التواضع العلمي في ضوء التفسير الموضوعي
- صناعة الجهل - الحلقة الأولى: صندوق الجهل المُصنّع
- كيف أُربّي ابني "المشاكس؟ مقاربة تربوية معرفية
- حرية الإنسان وحرمة التجسس في ضوء القرآن الكريم
- الإرادة الحرة في الفكر الإسلامي والغربي - مقاربات عقلية ونصية
- ظاهرة الغلو في الدين .. مقاربات ومعالجات
- تكريمنا في المهرجان العالمي البحثي لاسبوع التحقيق السنوي
آخر الأسئلة و الأجوبة
- مخطط تفصيلي لخريطة ومشجرة تقسيم الخبر
- ما مدى صحة قول الزهراء لعلي " اشتملت شملة الجنين وقعدت قعدة.. الخ"
- ما هو الفرق بين القيد الاحترازي والتوضيحي وما هي الثمرة العملية
- ما هو الكتاب المهم في رد الإلحاد المعاصر
- هل ان الحديث المقطوع هو نفسة الحديث المعلق؟
- ماهو رأي علماء السّنة بالمذهب الشيعي ؟
- ماهو الفرق بين مصطلح الوثاقة والوثوق