الدعاء والعناية الإلهية
الدعاء والعناية الإلهية
في هذا الشهر له خصوصية كبيرة، لنغتنم هذه الفرصة؛ لأننا في ضيافة الله تعالى، فلو قسنا بمثال عرفي، والأمثال تقرب المعاني، عندما يضيّفك إنسان كريم وغني وأنت تعلم أنه لا يبالي بالعطاء، فهنا أنت مطمئن بكرمه لك.
هذا إنسان ومخلوق لله، فكيف لو كان ذلك هو الله أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين وأجود الأجودين الحنّان أي صفة الحنان، لا يمكن أن نقيسه بشيء، رحمته وسعت كل شيء ، وهو نفسه جلّ شأنه، فتح لنا باب رحمته، لنستغل ذلك بالدعاء والقرب إليه، وهو القائل، ( وإذا سألك عبادي عني) ؟
(فإني قريب) وهو أقرب إلينا من حبل الوريد . خالقنا وربنا وهو أعرف بنفوسنا وقلوبنا وكل شيء فينا .
وهنا أخذ على نفسه بعهد قطعه على نفسه، وهو أصدق الصادقين ( أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ ) وأيضًا كأننا نلمس ضمانًا لهذا العهد من الله، (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَ لْيُؤْمِنُوا بِي ) ليكونوا مستجيبين أي يسمعون كلامي ويطيعون لي، وهذا كلامه جلّ شأنه، نعم قد يكون الخطاب عاماً بالطاعة له جل جلاله، ولكن هنا لابد أن يؤمن الإنسان ويصدّق بخطاباته الربانية، وهذا واحد من بياناته وخطاباته.
إذن لنغتنم الفرصة ولا سيما أصحاب الحوائج والمرضى وغيرهم ، وليكن دعاؤنا منطلقاً من الشعور بإن الإجابة قطعية ونافذة، لأننا لا نطلبها من غيره، وهذا الغير أيًا كان كرمه وعفوه، لا يمكن أن يصل للخالق الكريم إطلاقًا .
وأيضًا أن لا يكون التركيز على الجانب المادي المحض مع أهميته، لنسموا بالدعاء ولنركز فيما نطلب، طلب العافية مهم، والعتق من النار وو..
ومن الملفت للنظر أن هذه الآية أي (وإذا سألك عبادي عني ) جاءت ضمن سياق آياتٍ تتكلم عن الصوم ، يعني أنها في شهر رمضان ، فقبل هذه الآية، قال جلّ شأنه ( شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَ بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَ الْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) ثم جاءت بعدها هذه الآية .
فلعل هناك خصوصية لهذا الدعاء في هذا الشهر الكريم، وأنه يختلف عن بقية الشهور.
وقد ذكر السيد العلاّمة الطباطبائي- رحمه الله تعالى - سبع نكات مهمة لهذه الآية المباركة . لندقق بكلامه، قال :
" أحسن بيان لما اشتمل عليه من المضمون و أرق أسلوب و أجمله.
1. وفيه دلالة علی كمال العناية بالأمر.
2. قوله: عِبادِي، و لم يقل: الناس وما أشبهه، يزيد في هذه العناية.
3. حذف الواسطة في الجواب، حيث قال:
فَإِنِّي قَرِيبٌ ولم يقل فقل إنه قريب.
4. ثم التأكيد ب ( أن ).
5. الإتيان بالصفة دون الفعل، الدال علی القرب؛ ليدل علی ثبوت القرب ودوامه.
6. الدلالة علی تجدد الإجابة واستمرارها حيث أتی بالفعل المضارع الدال عليهما.
7. ثم تقييده الجواب، أعني قوله:
أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ بقوله: إِذا دَعانِ، وهذا القيد لا يزيد علی قوله: دَعْوَةَ الدَّاعِ المقيد به شيئًا بل هو عينه. وفيه دلالة علی أن دَعْوَةَ الدَّاعِ مجابة من غير شرط وقيد كقوله تعالی: «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ»: المؤمن- ٦٠.
فهذه سبع نكات في الآية تنبئ بالاهتمام في أمر استجابة الدعاء و العناية بها، مع كون الآية قد كرر فيها- علی إيجازها- ضمير المتكلم سبع مرات، وهي الآية الوحيدة في القرآن علی هذا الوصف .
يحيى عبد الحسن هاشم
إخترنا لكم
- ظاهرة الغلو في الدين .. مقاربات ومعالجات
- تكريمنا في المهرجان العالمي البحثي لاسبوع التحقيق السنوي
- رويكردى نو حديث غدير ( مقاربة جديدة في حديث الغدير )
- قناة كنوز المعرفة / قناة فكرية تخاطب العقل الإنساني الواعي
- تطبيق " صدرنا " كتب وبحوث المفكر الإسلامي محمدباقر الصدر
- صدور كتاب النظرية المهدوية في واقعها العقلي والروائي
- العلم الإجمالي وتطبيقاته على النصوص الحديثية والكلامية
- دراسة حديثة تتناول مناهج المحدثين في التشدد والتساهل والاعتدال وانعكاسه على التراث الحديثي
آخر الأسئلة و الأجوبة
- هل توجد قواسم مشتركة لتوحيد كلمة المسلمين ولاسيما في هذا الظرف الدقيق والحساس
- ما هو الفرق بين القيد الاحترازي والتوضيحي وما هي الثمرة العملية
- ما المقصود بالتعارض البدوي في الروايات الشيعية ؟
- حلاوة وزينة ذكر علي عليه السلام
- الاقتران بين الحب للعترة الطاهرة والعمل هما المنجيان
- ماهو الفرق بين مصطلح الوثاقة والوثوق
- كيف تقرؤون المفاهيم القيمية والإنسانية عند الإمام الكاظم (ع)