الشباب ؛ طاقة التغيير ومفصل النهضة في الرؤية الإسلامية
الشباب ؛ طاقة التغيير ومفصل النهضة في الرؤية الإسلامية
يحيى عبد الحسن هاشم
افق المعرفة | صناعة الوعي
تمهيد
يشكل الشباب المرحلة الأكثر حيوية في حياة الإنسان، وهي السنّ التي تتكثف فيها طاقات الإدراك والإرادة والعاطفة والإبداع. لذلك أولى الإسلام هذه المرحلة عناية استثنائية، ورآها محور التحول في حياة الفرد والأمة، ومفتاح البناء الحضاري والتربوي. ومن هنا تتبدّى نظرة الإسلام إلى الشباب لا بوصفهم مجرّد فئة عمرية، بل بوصفهم القوة المحركة للتاريخ، وميدان الامتحان الأخلاقي والمعرفي الأشد حساسية.
أولًا: التأصيل المعرفي لمفهوم الشباب في المنظور الإسلامي
يرى الفكر الإسلامي أنّ الشباب يمثلون مرحلة التكليف والتأسيس، حيث يُبنى الوعي وتُصاغ القيم ويُختبر الإيمان. ففي حديث الإمام الباقر (عليه السلام):
«لو أُتيت بشاب من شباب الشيعة لا يتفقه في الدين لأوجعته» (سفينة البحار، ج1، ص680).
هذا النص لا يعبّر عن القسوة الجسدية ، أبداً، بقدر ما يكشف عن أهمية التفقه والوعي المبكر من خلال الوعظ الذي يطلبه ويؤكد عليه الإمام عليه السلام من الشباب، لأن الشاب هو وعاء الأمة ومستقبلها، فإذا خلت مرحلة الشباب من العلم، خلت الأمة من نهضتها.
ثانيًا: الشباب بين العلم والقرآن
يؤكد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله):
«من تعلم في شبابه كان بمنزلة الرسم في الحجر» (ميزان الحكمة، ج5، ص8).
وفي حديث الإمام الصادق (عليه السلام):
«من قرأ القرآن وهو شاب مؤمن اختلط القرآن بلحمه ودمه» (ميزان الحكمة، ج5، ص7).
إنها دعوة لتربية معرفية وروحية مبكرة، حيث يصبح العلم والقرآن بنية في الوجدان لا زخرفًا في اللسان، فيتحول الشاب إلى إنسان قرآني الهوى، نقيّ الفكر، ثابت الجذور.
ثالثًا: البعد التربوي والسنني في حركة الشباب
يشير الإمام علي (عليه السلام) إلى طبيعة التلقي عند الشباب بقوله:
«وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما أُلقي فيها من شيء قبلته» (مستدرك الوسائل، ج2، ص353).
وهذه قاعدة تربوية عميقة، تفيد أن مرحلة الشباب هي المرحلة الذهبية لغرس القيم، إذ تكون النفس متلقية طيّعة قبل أن تتصلّب بالعادات والمصالح. لذلك حثّ أمير المؤمنين ابنه الحسن (عليه السلام) على التلقي المبكر للأدب والعلم قبل انشغال القلب بالدنيا (تحف العقول، ص41).
رابعًا: الشباب ودورهم في صناعة الوعي الاجتماعي
يروي التاريخ أن حملة الرسالة الأوائل حول النبي (صلى الله عليه وآله) كانوا من الشباب، حتى قال (ص):
«أوصيكم بالشبان خيرًا، فإنهم أرق أفئدة، وإن الله بعثني بشيرًا ونذيرًا فحالفني الشبان وخالفني الشيوخ» (جواهر الحكمة للشباب، الري شهري ، ص ٢٠).
وهذا يشير إلى أن التجديد في الأمة يبدأ من وعي الشباب، لأنهم الأسرع تجاوبًا مع الحق والأكثر استعدادًا للتضحية من أجل المبدأ، كما أكد الإمام الصادق (ع):
«عليك بالأحداث فإنهم أسرع إلى كل خير» (الغيبة الكبرى، ص11).
خامسًا: أخلاقيات القوة والاختبار في مرحلة الشباب
في موازاة الحثّ على العمل والعلم، حذّر أهل البيت (عليهم السلام) من سكر الشباب، أي الغرور بالقوة والعاطفة، فقال الإمام علي (ع):
«أصناف السكر أربعة: سكر الشباب، وسكر المال، وسكر النوم، وسكر الملك» (بحار الأنوار، ج77، ص200).
إنها إشارة إلى ضرورة تهذيب الطاقة بالعقل والإيمان، لأن الانحراف في هذه المرحلة أخطر من أي وقت آخر، كما في قوله (ع):
«وقد تأتي عليه حالات في قوته وشبابه يهم بالخطيئة... فإذا لامسها تفصّى الإيمان منه» (تحف العقول، ص88).
سادسًا: الشباب وصناعة النهضة
تتجلى سننية الله في أن التحول التاريخي لا يصنعه الشيوخ بل الوعي الشابّ، لأن الشباب هم الذين يمتلكون الجرأة على كسر المألوف والقدرة على بناء الجديد. ولذا خاطب الإمام الحسن (ع):
«يا معاشر الشباب، عليكم بطلب الآخرة، فقد رأينا قومًا طلبوا الآخرة فأصابوا الدنيا والآخرة» (ميزان الحكمة، ج75، ص284).
وهنا يبرز جوهر الرؤية الإسلامية: أن الآخرة ليست نقيض الحياة، بل مبدأ تنظيمها، وأن من يطلب الكمال الأخروي سينال الرفعة الدنيوية أيضًا، لأنها ثمرة للوعي الإيماني والانضباط الأخلاقي.
خاتمة
إنّ الحديث عن الشباب في الإسلام هو حديث عن النهضة المستمرة، عن جيلٍ يملأ الأرض بعدلٍ وعلْم كما يملؤها الطغاة بالظلم والجهل. فالشباب هم حملة الأمانة الإلهية في زمن الغيبة، ورأس مال الأمة في زمن الاستضعاف، ومحرّك التاريخ نحو النور.
قال النبي الأكرم (ص):
«إن الله تعالى يباهي بالشاب العابد الملائكة» (ميزان الحكمة، ج5، ص9).
فمن فنى شبابه في طاعة الله كان من أحب الخلق إلى الله، ومن ضيّعه في اللهو والعبث كان ممن خسر الدنيا والآخرة.
إخترنا لكم
- حين ينطق الكون: الوعي الكوني… إدراك الوجود في حركته الجوهرية
- الشباب ؛ طاقة التغيير ومفصل النهضة في الرؤية الإسلامية
- الفلسفة؛ تعريفها - موضوعها - غايتها- هدفها
- رسول المعرفة (ص) والوعي… وقناة تستضيء بنوره لصناعة الوعي
- العقل ودوره في إثبات الرؤية الكونية ( محاضرة علمية)
- التلقين الجمعي وأزمة التفكير المستقل
- بين البداهة والوجود - تفكيك دعوى إنكار البديهيات والواقع
- قانون عدم التناقض والثالث المرفوع؛ عماد العقل ومنطلق الحياة
آخر الأسئلة و الأجوبة
- هل ان الحديث المقطوع هو نفسة الحديث المعلق؟
- هل توجد قواسم مشتركة لتوحيد كلمة المسلمين ولاسيما في هذا الظرف الدقيق والحساس
- ما هو الكتاب المهم في رد الإلحاد المعاصر
- ماهي معايير الشيخ الكليني في تعارض الأحاديث
- ما صحة هذا القول : إنّ الشيعة لا يحتاجون لعلم الجرح والتعديل؛ لان عندهم المعصوم
- لماذا هذا البكاء الكثير على الحسين عليه السلام ؟
- ماهو منهج الفيض الكاشاني في كتابه الوافي ؟
