حوار مع القرآن
القرآن يمثل دستورًا لحياتنا، فهو الملهم لنا بما يحمله من علم وحكمة وكل ما يلامس حياة الإنسان، محورية القرآن وخطاباته نستمد منها قيمنا وأخلاقنا، فهو الصراط المستقيم وهو الحكم العدل، القرآن يحمل بين جنباته وطياته شبكة مترابطة ومنسجمة مع بعضها البعض من مفاهيم، مفاهيم قد تكون نظرية وعملية، نعم هو كتاب هداية يهدي البشرية مايصلح ويقوم أمورهم ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) ولكن في نفس الوقت نجد في ثتاياه العلم والبيان والحكمة، وما يمكن أن يطور الإنسان نفسه على جميع المستويات الإجتماعية والسياسية والنفسية والأخلاقية وو.. ولعل واحدة من أدوات الفهم لهذه الموارد هي الحوار ، ونقصد بالحوار، ذلك المُستنطق العميق مع كتاب الله.. ذكراً وتأملاً وتساؤلاً. وأول ما يستجد للباحث حينها عظمة الحوار مع القرآن الكريم وحلاوته وتأثيره في العقل والوجدان؛ إذ يستجيب كلام الله لحديث الباحث وتأملاته واستنطاقاته، ويجيب على تساؤلاته؛ الأمر الذي يحوّل الموضوع من الحوار في القرآن إلى حوار مع القرآن .
لنقرأ هذا هذا الحوار مع الدكتور والباحث الإسلامي علي المؤمن .
حوار مع القرآن
د.علي المؤمن
توفر الدراسات القرآنية للباحث ـ عادة ـ فرصة لتتحول تلاوته المعتادة للقرآن الكريم إلى حوار عميق مع كتاب الله.. ذكراً وتأملاً واستنطاقاً وتساؤلاً. وأول ما يستجد للباحث حينها عظمة الحوار مع القرآن الكريم وحلاوته وتأثيره في العقل والوجدان؛ إذ يستجيب كلام الله لحديث الباحث وتأملاته واستنطاقاته، ويجيب على تساؤلاته؛ الأمر الذي يحوّل الموضوع من «الحوار في القرآن» إلى «حوار مع القرآن».
يتخذ الحوار موقعاً محورياً في النص القرآني؛ إذ أكد عليه القرآن الكريم وأولاه أهمية بالغة، وطرحه في أشكال ومضامين متنوعة، حتى لا تكاد تخلو سورة من إحدى صيغ الحوار، التي بيّن القرآن من خلالها مقومات الحوار وشروطه وآدابه وتأثيره، وطرح إلى جانبها مئات النماذج التطبيقية التي مارست الحوار في الواقع.
من خلال تربية الإنسان على الحوار؛ يعمل القرآن على توظيف فطرة الجدل في الإنسان لصالح الأهداف الربانية لوجود الإنسان على الأرض؛ فالإنسان مجبول على الجدل «وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً»، من منطلق أفقه الذي ينفتح فطرياً على الكسب المعرفي والاكتشاف والتحرك في دائرة الأشياء والعوالم المحيطة به، فضلاً عن الاندفاع باتجاه التكامل والتعاون والتطوير في كل مجالات الحياة، والسعي للتوصل إلى إجابات لتساؤلاته وما يعلق في عقله ووجدانه من قضايا ومشاكل تبحث عن الحل.
هذا الأفق؛ يجعل الإنسان في حوار دائم مع النفس ومع الخلق ومع الخالق. وقد تتراجع أو تسكن أو تتطور حالة الحوار، وفق العوامل التي تدخل في صناعة الظروف. ومن هنا نرى ـ أحياناً ـ أن الصراع السلبي يحل محل الحوار، ليستحيل إلى عدوان وعنف أو استكبار وتجبر. وفي ظل ذلك تُصادر الكلمة ويُقمع الرأي، وتُقابل الدعوة إلى الخير بالسخرية والاتهام والغلو، وتُغلق مساحات التفاهم والاشتراك، ليحل محلها الصدام والصراع والإقصاء.
لقد عرض القرآن الكريم حادثين تأسيسيين في مسيرة الإنسانية، وكان فيهما الحوار سيد الموقف:
الأول: الحوار الذي يمثل بداية مسيرة الإنسان في عالم الخلق «وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل، في الأرض خليفة». و برغم أن الله (تعالى) لا يحتاج إلى الحوار مع الملائكة أو استمزاج آرائهم، ولكنه أراد أن يربي الإنسان على حالة الحوار.
الثاني: الحوار الذي بدأت به مسيرة الرسالة الخاتمة، وترافق مع أول نزول للوحي؛ فقد اقترنت تلاوة الكلمة الأُولى من الآية الأولى من السورة المنزلة الأولى بحوار مدهش. كان الملك يتلو: «إقرأ...»، و كان الرسول الأعظم يجيب: «ما أنا بقارئ».
ولا شك أن السر الذي أودعه الله في نعمة الحوار التي منّ بها على مخلوقاته، هو سرّ بالغ الخطورة، وكشفه (تعالى) لعباده حين بيّن لهم تطبيقات الحوار ومدخليته في حركة الكون، باعتباره من مقوماتها الطبيعية.
يأخذ الحوار ـ أحياناً ـ شكل المحادثة، كما في قوله (تعالى): «وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما»، أو معنى الجدال أحياناً أخرى، «قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا»،. وذلك مع الأخذ بنظر الاعتبار أن للجدال في القرآن معنيين:
أحدهما إيجابي: «وجادلهم بالتي هي أحسن».
والآخر سلبي: «فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج».
كما نجد للحوار أيضاً شكل الوحي، بلونيه:
الإيجابي: «ثم دنا فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى».
والسلبي: «شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً».
وتعطى الشورى مضمون الحوار في قوله تعالى: «فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر»، بما ينطوي على ذلك من استماع للرأي الآخر، واحترام للاختلاف والاجتهادات.
وهناك الحوار بمعنى الاحتجاج: «وحاجّه قومه قال أتحاجوني في اللَّه وقد هدان»، وبمعنى الدعوة إلى الله والخير المعروف: «ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى اللَّه وعمل صالحاً وقال إني من المسلمين»، وبمعنى الاستفتاء أيضاً: «قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون»، والنجوى: «يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبر والتقوى»، وبمضمون ذكر الله: «فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون»، وبمضمون التسبيح أيضاً: «ويسبح الرعد بحمده والملائكة».
وأحياناً يأخذ الحوار شكل الشفاعة: «يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى»؛ إذ يسأل الأنبياء والأوصياء الله أن يغفر لبعض المؤمنين ذنوبهم. كما يأخذ الحوار أحياناً أخرى شكل الموعظة أو البشارة والإنذار: «قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا للَّه مثنى وفرادى»، وكذلك بمعنى الشكر: «لئن شكرتم لأزيدنكم»، وكذلك الاستغفار: «واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار».
كما أن الدعاء هو من أشكال الحوار: «دَعَوا اللَّه مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين»، والسؤال أيضاً: «ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخّر الشمس والقمر ليقولن اللَّه»؛ فالسؤال هنا هو حوار، سواء كان بمعنى الطلب أو الاستفسار والاستفهام. وهناك أشكال ومضامين أخرى للحوار وردت في القرآن الكريم كالتفكر والتعقل والمحاسبة وأحياناً القول وغيرها.
إخترنا لكم
- ظاهرة الغلو في الدين .. مقاربات ومعالجات
- تكريمنا في المهرجان العالمي البحثي لاسبوع التحقيق السنوي
- رويكردى نو حديث غدير ( مقاربة جديدة في حديث الغدير )
- قناة كنوز المعرفة / قناة فكرية تخاطب العقل الإنساني الواعي
- تطبيق " صدرنا " كتب وبحوث المفكر الإسلامي محمدباقر الصدر
- صدور كتاب النظرية المهدوية في واقعها العقلي والروائي
- العلم الإجمالي وتطبيقاته على النصوص الحديثية والكلامية
- دراسة حديثة تتناول مناهج المحدثين في التشدد والتساهل والاعتدال وانعكاسه على التراث الحديثي
آخر الأسئلة و الأجوبة
- هل توجد قواسم مشتركة لتوحيد كلمة المسلمين ولاسيما في هذا الظرف الدقيق والحساس
- حلاوة وزينة ذكر علي عليه السلام
- لماذا هذا البكاء الكثير على الحسين عليه السلام ؟
- كيف تفسرون موقف السيدة زينب الذي أسقط النسخة المزيفة للإسلام الأموي؟
- لمن نقرأ في البحوث التفسيرية والعقدية ؟
- لماذا يتأوه أمير المؤمنين من قلة الزاد ووحشة الطريق ؟
- ما الفرق بين الاحتياط الوجوبي والاستحبابي ، من حيث دلالة الدليل و فعل المكلف