هناك من يدعي المنافاة بين طول العمر والعادة المطردة لقصر العمر
هناك من يدعي المنافاة بين طول العمر والعادة المطردة لقصر العمر ؟
قال ابن تيمية في منهاج السنة ، ج1 ص 91: ثم إن تعمير واحد من المسلمين هذه المدة أمر يعرف كذبه بالعادة المطردة في أمة محمد فلا يعرف أحد ولد في دين الإسلام وعاش مائة وعشرين سنة فضلا عن هذا العمر.. الخ.
الجواب :
لا ملازمة بين الأمرين، وذلك بالبيان التالي:
أولاً: إن العادة المطردة ليست هي الدليل ، وذلك لان تقدير الله تعالى لأي أمر خاضع لنظام المصلحة ، فهناك ملاكات يعلمها ويقدرها المولى جل شأنه ، وخوارق العادات كثيرة لا تحصى ، ومسألة طول العمر هي من تلك المعاجز وهي خاضعة لهذا القانون الإلهي الرباني ، فالمصلحة اقتضت تقدير هذا الأمر ، وهذا ليس بدعاً ، فالقرآن الكريم قد صدعت آياته المحكمات بهذه الحقيقة محدثاً عن شيخ الأنبياء نوح عليه السلام حيث عاش قرابة ألف سنة ، قال تعالى: { فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَامًا } ([1]).
وأيضاً امتلأت كتب المسلمين من الفريقين بذكر المعمرين ككتاب المعمرين لأبي حاتم السجستاني وإكمال الدين للصدوق والكراجكي في رسالته التي وسمها باسم (البرهان على صحة طول عمر الإمام صاحب الزمان) وغيرهم.
إذن فالتشكيك في هذا الأمر في الحقيقة يعود إلى الشك في قدرة الله جل وعلا الذي يقود في النهاية إلى نسبة الظلم إليه عز شأنه.
ثانياً: إن مسألة الفرق بين أمة وأخرى سواء كان قبل الإسلام أو بعده ، فليس هناك خصوصية أو مدخلية للوقت ، فليس بمقدورنا أن نقول إن هذه الأمة تختلف عن الأمة الأخرى فتلك مدّ الله في عمر أنبيائهم مثلاً وهذه ليس كذلك !! فهذا الكلام خارج عن إرادة الإنسان؛ لان الملاك في ذلك راجع لتقدير الله وإرادته وهو العالم والمقدر لذلك.
ثالثاً: إن الاستبعاد الذي تفوه به ابن تيمية نستطيع أن نصححه ونضعه في دائرة جريان عادة الطبيعة فهذا صحيح ، أما بالنسبة لقدرته وإرادته جل شانه اللامتناهية التي يستطيع أن يحيي بها الإنسان ويعمره يوم القيامة يوماً كان مقداره خمسين ألف سنة قبل الجنة والنار ، وكذلك ما نجده في حياة بعض الأنبياء كالخضر وعيسى وغيرهم. فتقدير هذه الأعمار هي من مختصاته جل وعلا وهو الأعلم بالمصلحة فلا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
الإمكان وعدمه في مسألة طول العمر
لعل الشيخ ابن تيمة واجه معضلة الإمكان بمعنى- كيف يمكن إطالة هكذا عمر كل هذه السنين- وهي بالنسبة إليه عقبة كؤود فلم يستطع أن يتعداها أو يتحملها أو يستسيغها؛ لأنه لم يدرك هذا المعنى بحسب نظرنا لعدة أسباب:
الأول: اُنسه بعالم المادة.
الثاني: رفضه للمعجز ، وأن الله تعالى قادر على فعل ذلك إذا اقتضت المصلحة.
الثالث: رفضه المسبق لهذه الفكرة؛ وذلك لتقليده من سبقه تقليد أعمى بلا تحريك لعقله ، فما هو إلا مقلد لأسلافه لاسيما ابن تيمة الحراني والقارئ الحصيف يرى ذلك واضحاً.
المفكر الإسلامي محمد باقر الصدر يقرر نظرية الإمكان
والواقع أن الإمكان نستطيع أن نفرضه بثلاثة أمور ، وندفع بذلك ما قد توهمه ابن تيمية من استبعاد لهذه المسألة بما قرره السيد محمد باقر الصدر في كتابه (البحث حول المهدي)
فنقول: إن الإمكان له ثلاثة معان.
المعنى الأول: الإمكان العلمي
المعنى الثاني: الإمكان العملي
المعنى الثالث: الإمكان المنطقي أو العقلي
أما الامكان العلمي: هو أن العلم لا يرفض هذا الامكان ولا يأبى عن قبوله
فهو غير ممتنع من ناحية علمية.
والإمكان العملي: هو الامكان الذي نستطيع أن نطبقه على أرض الواقع وله تحقق وتعين في الخارج.
والإمكان المنطقي: وهو أن لا يوجد لدى العقل وفق ما يدركه من قوانين قبلية ما يبرر رفض الشيء والحكم باستحالته.
أما الإمكان الأول والثاني (العلمي والعملي):
فنجد أن العلم دؤوب في تجاربه العلمية لإطالة عمر الإنسان وتوقيف هرم الخلايا التي تؤدي إلى شخوخته؛ لذا لم يستبعد (ريمند بول) الأستاذ في جامعة جونس هبكنس الأمريكية حيث قال:
> إنه يظهر من بعض التجارب العلمية أن أجزاء جسم الإنسان يمكن أن تحيا إلى أي وقت أريد ، وعليه فمن المحتمل أن تطول حياة الإنسان إلى مائة سنة ، وقد لا يوجد مانع يمنع من إطالتها إلى ألف سنة < ([2]).
إذن فلا يوجد ما يبرر رفض ذلك من الناحية النظرية ، لأن التجارب آخذه بالازدياد لتحويله وتطبيقه إلى إمكان عملي واقعي ، وهي سائرة بهذا الاتجاه من زاوية محاولاتها لتعطيل قانون الشيخوخة. وفي ضوء هذا لا يبقى مبرر منطقي للاستغراب والإنكار.
وأما الإمكان المنطقي:
فلا شك إن امتداد عمر الإنسان آلاف السنين ممكن منطقياً ؛ لأن ذلك ليس مستحيلاً من وجهة نظر عقلية تجريدية ، ولا يوجد في افتراض من هذا القبيل أي تناقض ، لأن الحياة كمفهوم لا تستبطن الموت السريع ، ولا نقاش في ذلك ، والقران الكريم والأحاديث تشهد بذلك كما في طول عمر نوح والخضر والياس وغيرهم.
إذن بعد أن ثبت إمكان هذا العمر الطويل منطقيا وعلميا ، وأن العلم سائر في طريق تحويل الإمكان النظري إلى إمكان عملي تدريجا ، لا يبقى للاستغراب محتوى إلا استبعاد أن يسبق المهدي العلم نفسه ، فيتحول الإمكان النظري إلى إمكان عملي في شخصه قبل أن يصل العلم في تطوره إلى مستوى القدرة الفعلية على هذا التحويل ، فهو نظير من يسبق العلم في اكتشاف دواء ذات السحايا أو دواء السرطان ([3]).
وقد علق الأستاذ حامد حفني داود على ما تعرض له السيد محمد باقر الصدر رحمه الله وأنه من المهارة والعلم بحيث رسّخ مفهوم المهدوية من خلال تصويره الرائع للإمكان وانه لا مانع من ذلك فالعلم والمنطق لا يأبى قبول هذه الحقيقة ، حيث قال:
>وإني أشد على يديه مهنئاً بهذا النجاح العظيم الذي أحرزه في تفسير هذه الخارقة المهدوية حين أوضح للباحثين المنطقيين مراتب التصديق ، ووازن بمهارة العالم الراسخ بين الإمكان الواقعي ، والإمكان العلمي ، والإمكان المنطقي ، وذلك حين تعرض لمدى العمر الذي بلغه الإمام المهدي من لدن القرن الثالث الهجري إلى هذا العصر وأوضح أن هذا التصور لئن كان مما ينكره الواقع ، فإنه من الناحية الفلسفية يعتبر جائز الوقوع ولئن كان العلم يأبى هذا التصور لهذه الحياة الممتدة نحو الألف والثلاثمائة عام - إلا أنه ليس من المستحيل علميا أن تكون هناك حالات شاذة تتغلب فيها الخلايا الحية على عوامل الهدم والفناء< ([4]).
ثم أردف مقالته هذه بأن التجربة العلمية قد تناولها العلماء وقد نجحت في إطالة بعض الأعمار وبالتالي ما فرض فإنه واقع ولا شبهة في ذلك.
مقالة الأستاذ الحفني:
قال: > أقول: وقد دلت تجارب علماء الأحياء وما يقومون بإجرائه على بعض الحيوانات من إطالة أعمار بعضها ما يدل على أن الفروض التي ذهب إليها العلامة الصدر فروض علمية وممكنة الوقوع في نظر (العلم). لكن هذا المعنى الجميل الذي حقق فيه هذا النجاح من إقناع المنكرين وخصوم الدين له دون شك- كما أعتقد- ما يؤيده في مجال (المنقول). فقد جاء في الأحاديث المتواترة عن سيد الأنبياء قوله: (لتتبعنا سنن من قلبكم حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه) والمقصود - في نظرنا - من هذا الحديث أن أمنه عليه السلام تلخيص لكل ما مرت به الأمم السالفة من حيث المعجزات والخوارق - وليس كما يظن البعض أن الحديث مقصور على الآثام والابتلاء بدليل أن أمنه لم يحدث فيها خسف ولا فسخ إحقاقا لكرامته عند الله ، وبذلك يتعين أن المقصود هو ما جرى في الأمم السالفة من خوارق كقصة أهل الكهف وقصة العزير< ([5]).
إذن اتضح مما تقدم أن طول العمر ممكن والاستبعاد له لا مبرر وهو باطل بما قررناه ، ننتقل إلى مبحث الوقوع ، ولكي يتضح الأمر أكثر وتكون الحجة دامغة نذكر ثلاثة أدلة ثلاثة على وقوع بعض المصاديق التي مدّ الله تعالى بأعمارهم ، وذلك من خلال القرآن الكريم ، والسنة النبوية الشريفة ، والعقل.
الأدلة على الوقوع :
الدليل الأول: القرآن الكريم
من تأمل بآي الذكر الحكيم يجد أنه يشير بشكل واضح على أن طول الأعمار أمر وارد وليس عليه غبار أوشك.
واليك بعض الآيات في هذا المضمار:
1- قوله تعالى: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً } ([6]).
روى ابن أبي حاتم في تفسيره: بسند صحيح عن قتادة قوله: > وقولهم انا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله أولئك أعداء الله ابتهروا بقتل نبي الله عيسى ، وزعموا أنهم قتلوه وصلبوه.
وروى أيضاً بسند صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهود: إن عيسى لم يمت وانه راجع إليكم قبل يوم القيامة< ([7]).
دلالة الآية صريحة في أنّ عيسى ابن مريم عليه السلام لم يقتل كما خُيل لهم , بل إن الله جل وعلا رفعه إليه ، ثم يأتي التأكيد الالهي لهذه الحقيقة بقوله (وما قتلوه يقيناً) لنفي القتل ، هنا اليقين الالهي يعزز الحياة الخالدة لعيسى عليه السلام إلى أن يأذن الله , إذن هناك يقين الهي ، فنسأل هل هناك من يشكك بهذا اليقين.
2- قوله تعالى: {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً } ([8]).
قال ابن كثير في تفسيره: > الضمير في قوله قبل موته عائد على عيسى عليه السلام ، أي وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى وذلك حين ينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة فحينئذ يؤمن به أهل الكتاب كلهم لأنه يضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أحمد بن عبد الرحمن حدثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه حدثنا الربيع بن أنس عن الحسن أنه قال في قوله تعالى (إني متوفيك) يعني وفاة المنام رفعه الله في منامه قال الحسن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهود: إن عيسى لم يمت وإنه راجع إليكم قبل يوم القيامة< ([9]).
إذن الآية تدل على أن عيسى عليه السلام حي يرزق وأهل الكتاب يؤمنون بهذه الحقيقة.
3- {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ } ([10]).
الفخر الرازي و نظرية البقاء الذاتي الإنساني :
وقد علق الفخر الرازي على هذه الآية الشريفة حيث قال:
>المسألة الثالثة: قال بعض الأطباء العمر الإنساني لا يزيد على مائة وعشرين سنة ، والآية تدل على خلاف قولهم ، والعقل يوافقها فإن البقاء على التركيب الذي في الإنسان ممكن لذاته ، وإلا لما بقي ، ودوام تأثير المؤثر فيه ممكن؛ لأن المؤثر فيه إن كان واجب الوجود فظاهر الدوام ، وإن كان غيره فله مؤثر ، وينتهي إلى الواجب وهو دائم ، فتأثيره يجوز أن يكون دائماً ، فأذن البقاء ممكن في ذاته ، فإن لم يكن فلعارض لكن العارض ممكن العدم وإلا لما بقي هذا المقدار لوجوب وجود العارض المانع ، فظهر أن كلامهم على خلاف العقل والنقل (ثم نقول) لا نزاع بيننا وبينهم لأنهم يقولون العمر الطبيعي لا يكون أكثر من مائة وعشرين سنة ، ونحن نقول هذا العمر ليس طبيعياً بل هو عطاء إلهي ، وأما العمر الطبيعي فلا يدوم عندنا ولا لحظة ، فضلا عن مائة أو أكثر< ([11]).
توضيحه:
أراد الفخر الرازي الاعتراض على من قال بأن العمر الإنساني لا يزيد على مائة وعشرين سنة ؟ وذلك من خلال النقاط التالية:
الأولى: لأن هذه الآية الشريفة تخالف قولهم ، والقران حجة قاطعة لا يمكن إلا التصديق والإذعان له.
الثانية: إن العقل يتوافق ويتواءم مع القرآن؛ لأن بقاء الإنسان بتركيبه من الأعضاء المختلفة في الشكل والطبع والصفة فهو ممكن في حد نفسه وذاته ، ولو قلنا خلاف ذلك لما وجد هذا الإنسان وانتفى بقاءه ، فالمؤثر والموجد له هو الله تعالى ، والإنسان يبقى في دائرة الامكان وتابع لمؤثره وموجده ويتصرف به حيث يشاء فهو القادر على كل الممكنات وهو الدائم لبقائه ، وذلك يدل على كمال قدرته وإرادته ، فالمؤثر هو الله واجب الوجود ، وان كان غيره فله مؤثر ولكن ينتهي إليه ، وإلا لزم الدور ، فتأثيره لا بد أن يتصف بالدوام وعليه فلبقاء يكون ممكناً.
الثالثة: ثم يتنزل الفخر الرازي للمعترضين فيقول: نحن نتفق معكم؛ ولكن لا بد أن تسلموا بالإعجاز والعطاء الإلهي فهذا ما لا تستطيعون أن تنكرونه ، وعليه فلا بد من التسليم والإقرار بطول العمر.
وهناك الكثير من الآيات التي فيها إشارة صريحة , إلى أن هناك ظواهر قد
تقتضي الحكمة الإلهية أن يمد بأجلها ولا ضير في ذلك.
الدليل الثاني: السنّة النبوية
مسلم النيسابوري يروي حياة الدجال الأبدية
ونذكر من السنّة ما جاء في صحيح مسلم (حديث الجساسة) ، حيث ذكر في هذا الحديث أن الدجال حي يرزق وعمره طويل مقارنة بأعمار البشر العاديين ، ولكن بعض الفقهاء السنة اختلفوا بعد القطع بكونه حياً ، هل هو لا يزال محبوساً ومقيداً بالسلاسل في الجزيرة التي شاهدها فيها الصحابي تميم الداري وأنه لم يؤذن له في الخروج منها أو لم يكن كذلك.
وأما الحديث فقد اختصرنا على جملة من مفرداته:
روى مسلم في صحيحه: > عن فاطمة بنت قيس أنها قالت: سمعت نداء المنادي (منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم) ينادي الصلاة جامعة فخرجت إلي المسجد فصليت مع رسول الله وكنت في النساء اللاتي يلين ظهور القوم. فلما قضى رسول الله صلاته جلس على المنبر وهو يضحك فقال: (ليلزم كل إنسان مصلاه). ثم قال: (أتدرون لما جمعتكم ؟) قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: (والله إني ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ولكن جمعتكم لأن تميما الداري كان رجلا نصرانيا فجاء فبايع وأسلم وحدثني حديثاً وافق الذي كنت أحدثكم عن المسيح الدجال ، حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين.. فدخلنا الجزيرة فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر.. فقلنا ويلك ما أنت ؟ فقالت أنا الجساسة قلنا وما الجساسة ؟ قالت اعمدوا إلي هذا الرجل بالدير. فإنه إلي خبركم بالأشواق. فأقبلنا إليك سراعا.. قال لهم: (قد كان ذاك أما أن ذلك خير لهم أن يطيعوه وإني أخبركم عني: أنا المسيح وأني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة فهما محرمتان علي كلتاهما كلما أردت أن أدخل واحدة أو أحداهما استقبلني ملَك بيده السيف صلتاً يصدني عنها وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها) قالت فاطمة: قال رسول الله وطعن بمخصرته في المنبر: (هذه طيبة. هذه طيبة. هذه طيبة) يعني المدينة (ألا هل كنت حدثتكم ذلك فقال الناس: (نعم) قال الرسول: (فإنه أعجبني حديث تميم فإنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة إلا أنه في بحر الشام أو في بحر اليمن لا بل من المشرق ما هو من قبل المشرق ما هو من قبل المشرق وأومأ بيده الشريفة إلي المشرق< ([12]).
قال النووي: > هذا [الحديث] معدود في مناقب تميم لأن النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه هذه القصة وفيه رواية الفاضل عن المفضول ورواية المتبوع عن تابعه< ([13]).
ومن الطريف في قصة الدجال ، إن أحد المفكرين المصريين وهو محمد عيسى داوود في أبحاثه المتعلقة بالدجال وظاهرة الأطباق الطائرة ومثلث برمودا ، قال:
>إن الدجال كان مقيداً وفك قيده وهو الآن حر طليق ، ويقف خلف المؤامرات العالمية ومنظمات الماسونية ، وأنه يتسبب في حوداث الاختفاء في مثلث برمودا ، وأنه مسئول عن ظاهرة الأطباق الطائرة ، وأنه هو أيضاً السامري المذكور في القرآن الذي أضل بني إسرائيل ، وجعلهم يعبدون عجلا ذهبياً له خوار صنعه لهم من حلي المصريين في عهد الخروج مع موسى< ([14]).
وهذا القول يدل بصورة واضحة على أن الدجال حي وهناك من يرى أنه يتصرف بنظام الكون كما رأينا تحليل الدكتور محمد عيسى داود ، ولعله استند في ذلك لما رواه مسلم كما تقدمت الرواية.
عيسى عليه السلام يقتل الدجال
وهناك روايات تتحدث عن أن عيسى عليه السلام هو من يقتل الدجال ، وفي هذا دلالة على أنه حي إلى وقت عيسى عليه السلام.
روى البخاري بسنده عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة: > قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا إن عيسى بن مريم ليس بيني وبينه نبي ولا رسول ألا أنه خليفتي من بعدي يقتل الدجال ويكسر الصليب ويضع الجزية وتضع الحرب أوزارها ألا من أدركه منكم فليقرأ عليه السلام< ([15]).
في هذه الرواية , نرى أن أبا هريرة يتمنى أن يدرك عيسى , ودلالته واضحة في بقائه.
الدليل الثالث : علماء السنة يذهبون إلى حياة الخضر وإلياس عليهم السلام
أضف إلى ذلك أن جملة من علماء أهل السنة يذهبون إلى بقاء حياة الخضر وإلياس أحياء إلى أن يرث الله الارض ومن فيها .
1- الثعلبي (ت/427هـ) في كتاب العرائس.
قال: >والصحيح أن الخضر نبي معمر محجوب عن الأبصار< ([16]).
2- القرطبي (ت/671 هـ) في تفسيره الجامع لأحكام القرآن.
بعدما ذكر الأقوال النافية لحياة الخضر عليه السلام يختار رأيه قائلا: >.. والصحيح القول الثاني وهو أنه حي< ([17]).
ثم يؤكد قوله الذي اختاره:
> قلت: قد ذكرنا هذا الحديث والكلام عليه ، وبيّنا حياة الخضر إلى الآن ، والله أعلم< ([18]).
ثم روى أن الخضر وإلياس عليهم السلام لا يزالان حيين مادام القرآن موجوداً على الأرض ، قال:
>وعن عمرو بن دينار قال: إن الخضر وإلياس لا يزالان حيين في الأرض ما دام القرآن على الأرض ، فإذا رفع ماتا.
وقد ذكر شيخنا الامام أبو محمد عبد المعطي ابن محمود بن عبد المعطي اللخمي في شرح الرسالة له للقشيري حكايات كثيرة عن جماعة من الصالحين والصالحات بأنهم رأوا الخضر عليه السلام ولقوه ، يفيد مجموعها غلبة الظن بحياته مع ما ذكره النقاش والثعلبي وغيرهما.
وقد جاء في صحيح مسلم: (أن الدجال ينتهي إلى بعض السباخ التي تلي المدينة فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس - أو - من خير الناس) الحديث ، وفي آخره قال أبو إسحق: يعني أن هذا الرجل هو الخضر.. < ([19]).
إذن فالخضر وإلياس عليهم السلام لا يزالان حيين إلى الآن على رأي القرطبي وهو من كبار علماء أهل السنة.
3- النووي (ت/676هـ) في شرح صحيح مسلم.
قال: >جمهور العلماء على أنه حي موجود بين أظهرنا وذلك متفق عليه عند الصوفية وأهل الصلاح والمعرفة وحكاياتهم في رؤيته والإجماع به والأخذ عنه وسؤاله وجوابه ووجوده في المواضع الشريفة ، ومواطن الخير أكثر من أن يحصر وأشهر من أن يستر ، وقال الشيخ أبو عمر بن الصلاح هو حي عند جماهير العلماء والصالحين والعامة معهم في ذلك ، قال: وإنما شذ بإنكاره بعض المحدثين< ([20]).
فالنووي وابن الصلاح ينقلون عن جمهور العلماء والعامة بأن الخضر عليه السلام حي وهو بين أظهرهم ، ومن خالف هذا القول هو شاذ لا عبرة بكلامه.
4- ابن حجر العسقلاني (ت/ 852هـ) في ا لإصابة في تمييز الصحابة.
روى عن الحسن البصري قال:
>وكل إلياس بالفيافي ووكل الخضر بالبحور وقد أعطيا الخلد في الدنيا إلى الصيحة الأولى ، وأنهما يجتمعان في موسم كل عام.
ثم روى عن أنس ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الخضر في البحر واليسع في البر يجتمعان كل ليلة عند الردم الذي بناه ذو القرنين بين الناس وبين يأجوج ومأجوج ويحجان ويعتمران كل عام ويشربان من زمزمكم شربة تكفيهما إلى قابل.. < ([21]).
5- الكنجي الشافعي (من أعلام القرن السابع) في (البيان في أخبار صاحب الزمان)
قال: >ولا امتناع في بقائه بدليل بقا عيسى والياس والخضر من أولياء اللّه تعالى ، وبقاء الدجال وإبليس الملعونين أعداء اللّه تعالى ، وهؤلاء قد ثبت بقاؤهم بالكتاب والسنة.. الخ< ([22]).
وأما عن طول عمر نبي اللّه نوح عليه السلام فلا نحتاج إلى أقوال العلماء بعد أن نص عليه القرآن الكريم. وكذلك بقا ء أهل الكهف أكثر من ثلاثة قرون وهم نيام ولعل بقائهم هذه الفترة أعجب من طول عمر نوح عليه السلام ، إذ هم في رقدتهم لا يأكلون ولا يشربون.
كما أن الرجل الذي أماته اللّه مائة عام ثم أحياه ، وطعامه لم يتسنه خير شاهد وخير مثال ، وكل ذلك قد ورد في الكتاب العزيز . إذن هذه الشبهة واهية ومردودة بما تقدم .
الهوامش :
راجع كتاب حقيقة المهدوية والغيبة ، يحيى الدوخي ، ص 196 ومابعدها .. الناشر / دار مشعر - قم .
([1]) العنكبوت : 14 .
([2]) مجلة المقتطف المصرية: الجزء الثاني من المجلد 95/ سنة 1339 هـ ص 206 تحت عنوان (خلود الإنسان على الأرض). نقلاً عن كتاب المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي ، إصدار: مركز الرسالة.
([3]) أنظر: بحث حول المهدي: محمد باقر الصدر ، ص66-67. حيث قرر هذا البحث بأبهى تصوير ودفع ما قد يتوهمه البعض من رفضه لهذه الفكرة ، ونحن اقتصرنا على ما بحثه باختصار وتصرف في العبارة.
([4]) حامد حفني داود ، نظرات في الكتب الخالدة: ص 75 ، الناشر: دار العلم للطباعة- القاهرة.
([5]) حامد حفني داود ، نظرات في الكتب الخالدة: ص 75-76.
([6]) النساء: 157.
([7]) تفسير ابن أبي حاتم: ج4ص1110.
([8]) النساء: 159.
([9]) تفسير ابن كثير: ج1ص374.
([10]) العنكبوت14
([11]) تفسير الفخر الرازي: ج25ص42.
([12]) صحيح مسلم: ج8ص 204-205 ، الناشر: دار - بيروت.
([13]) النووي ، شرح صحيح مسلم: ج18ص81 ، الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت ، ط 1407هـ.
([14]) انظر موقع: http: //ar. wikipedia. org
([15]) الطبراني ، المعجم الصغير: ج1ص257 ، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت.
([16]) نقلاً عن القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن: ج11ص43. الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت.
([17]) القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن: ج11ص41.
([18]) المصدر نفسه: ج11ص45 ، ومن أراد التفصيل فليراجع: ج11 الصفحات 41 ,42 , 43 , 44.
([19]) الجامع لأحكام القرآن: ج11ص43.
([20]) النووي ، شرح صحيح مسلم: ج15ص136, باب فضائل الخضر.
([21]) ابن حجر العسقلاني ، الإصابة: ج2ص251 ، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت.
([22]) الكنجي الشافعي ، البيان في أخبار صاحب الزمان: ص97 ، الباب الخامس والعشرين ، الناشر: دار المحجة البيضاء ، ط1- 1421 هـ.
إخترنا لكم
- ظاهرة الغلو في الدين .. مقاربات ومعالجات
- تكريمنا في المهرجان العالمي البحثي لاسبوع التحقيق السنوي
- رويكردى نو حديث غدير ( مقاربة جديدة في حديث الغدير )
- قناة كنوز المعرفة / قناة فكرية تخاطب العقل الإنساني الواعي
- تطبيق " صدرنا " كتب وبحوث المفكر الإسلامي محمدباقر الصدر
- صدور كتاب النظرية المهدوية في واقعها العقلي والروائي
- العلم الإجمالي وتطبيقاته على النصوص الحديثية والكلامية
- دراسة حديثة تتناول مناهج المحدثين في التشدد والتساهل والاعتدال وانعكاسه على التراث الحديثي
آخر الأسئلة و الأجوبة
- هناك من يدعي المنافاة بين طول العمر والعادة المطردة لقصر العمر
- شبهات حول عرض الحديث على القرآن
- ما هو المراد من القضية المهملة؟
- ماهي معايير الشيخ الكليني في تعارض الأحاديث
- ما هو التعريف الدقيق لمفهوم فلسفة الدين، وما هو المراد من الدين ؟
- الدكتور بشار عواد وفهمه المغلوط لمعنى البداء
- ماهي نصيحتكم لنا في قراءة البحوث القرآنية والعقدية ورد الشبهات؟