في رحاب الحقوق - حوار ومجالسة لفهم عمق الكلمة وسمو المعنى (الحلقة الاولى )
في رحاب الحقوق - حوار ومجالسة لفهم عمق الكلمة وسمو المعنى
الحلقة الاولى ؛
د.يحيى عبد الحسن هاشم
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله...
أحبتنا الكرام.
اليوم نخطو وإياكم خطوة أولى، في مسارٍ يُنير القلب قبل العقل،
نقترب من كلماتٍ ولدت من قلب الطهر، من فكر الإمام زين العابدين (عليه السلام)،
حيث كتب لنا "رسالة الحقوق"،
تلك الوثيقة الخالدة، التي ما إن تلمسها الأرواح الصافية حتى تشعر أن الله يناديها:
"اعرف حقّي عليك، تعرف حقيقتك في هذا الوجود."
في هذه الجلسات المتواضعة،
لن نشرح الكلمات شرحًا جافًا،
بل سنجلس،
نتحاور،
ونتأمل،
ونعيش معًا المعنى الذي أراده الإمام لنا...
سنبسط المعاني حبًّا بكم، مراعاةً لأرواحكم العزيزة،
وسنشير أحيانًا إلى آفاق أرحب لمن أراد الغوص أكثر.
تعالوا...
نغوص معًا برفق، في بحار الحقوق،
علّنا نرتوي من عذبها،
ونحمل نورها إلى حياتنا.
فأهلاً بكم.
وأهلاً بقلوبكم.
في "رحاب الحقوق".
[المشهد الأول: افتتاحية اللقاء]
صلاح (بابتسامة متأملة):
محمد، ما الذي دفعنا لاختيار "رسالة الحقوق" للإمام زين العابدين (عليه السلام) بداية لهذا البرنامج؟
ما أهمية هذه الرسالة في عالمنا؟
محمد (بهدوء):
سؤالك عميق يا صلاح.
"رسالة الحقوق" ليست نص وعظي، بل هي أول وثيقة حقوقية أخلاقية في تاريخ الفكر الإنساني.
تصيغ الإنسان من الداخل، تربط بين الحق والواجب، بين الذات والآخر، بين الروح والحياة.
هي مشروع لصناعة الإنسان الكامل، الذي يحقق توازنًا بين علاقته بالله، وبنفسه، وبالناس.
صلاح (متحفز):
إذن، هي تتجاوز الطابع الديني الخاص إلى تأسيس تصور إنساني شامل؟
محمد:
نعم، بل تؤسس فلسفة الحقوق من منطلق ديني عميق،
لا تبني الإنسان على مجرد المطالبة بحقوقه، بل تؤسس له كيف يعي حقوق الآخرين عليه.
بهذا تتحقق العدالة، وتنمو الروح الإنسانية في أرقى صورها.
[المشهد الثاني: السؤال عن توثيق رسالة الحقوق]
صلاح:
ولكن، قبل أن نستفيض، سؤال لا بد منه:
هل هذه الرسالة ثابتة عن الإمام زين العابدين (عليه السلام)؟ وما حال سندها؟
محمد (بابتسامة مطمئنة):
سؤال مهم جدًا يا صلاح.
لقد بحث العلماء سند "رسالة الحقوق" بدقة، ويمكن تلخيص الأمر هكذا:
أولًا:
اتفقت المصادر الحديثية المعتبرة على نسبة الرسالة إلى الإمام السجاد (عليه السلام)،
وكل الروايات ترجع إلى أبي حمزة الثمالي، وهو من خيار أصحاب الأئمة ومن أوثق الرواة.
ثانيًا:
مصادر الرواية:
أوردها الشيخ الصدوق في "من لا يحضره الفقيه"، و"الخصال"، و"الأمالي".
وأوردها ابن شعبة الحراني في "تحف العقول".
وذكرها الكليني في كتابه المفقود "رسائل الأئمة".
ثالثًا:
طرق الرواية:
رواها الصدوق بأسانيد متعددة عن أبي حمزة، بإسناد صحيح ومعتبر.
اعتمدها النجاشي في ترجمته للثمالي كجزء من التراث الصحيح.
والكليني، كما دلّت روايته، كان يعتمد رسائل الأئمة كمصادر موثوقة.
رابعًا:
موقف العلماء:
صرّح العلامة المجلسي، والسيد محمد رضا الجلالي، وغيرهما، أن الرسالة موثقة السند ومطمئنة الصدور،
خاصة وأن مضامينها من الوضوح والانسجام مع روح الإسلام بحيث تشهد بصحتها الذاتية أيضًا.
صلاح (مطمئنًا):
إذن نستطيع أن نبني عليها بثقة، وأن نغوص في معانيها بأمان علمي؟
محمد:
بكل تأكيد، وبهذا سنمضي بإذن الله.
[المشهد الثالث: مدخل إلى فلسفة الحقوق]
صلاح (بفضول):
قبل الدخول إلى تفصيل الحقوق، هل من مدخل عقلي فلسفي نفهم به طبيعة الحقوق في هذه الرسالة؟
محمد:
مدخل رائع سأوضحه لك:
الإمام السجاد (عليه السلام) ينظر إلى الحقوق باعتبارها مرآة للربوبية.
بمعنى:
حق الله تعالى هو أصل كل حق.
وكل حق للإنسان على نفسه أو غيره، مستمد من كونه مخلوقًا لله وخليفة لله في الأرض.
فلا حق ينشأ من الهوى أو المصالح الفردية، بل من حقيقة العلاقة بالله أولًا.
ولهذا، أول حقٍ ذكره الإمام هو حق الله الأكبر: أن تعبده ولا تشرك به شيئًا.
صلاح:
وكأن الحقوق تنبع من التوحيد؟
محمد:
بالضبط!
التوحيد ليس مجرد عقيدة، بل هو منهج حياة، يعلّم الإنسان أن كل علاقة تبدأ بالله، وتنتهي بالله.
هنا انتهينا من المرحلة التمهيدية (المقدمة + توثيق الرسالة + مدخل فلسفة الحقوق) .
وإن شاء الله تعالى ستأتي الحلقة الثانية من هذه الحوارية فانتظرونا ..
إخترنا لكم
- العقل ودوره في إثبات الرؤية الكونية ( محاضرة علمية)
- التلقين الجمعي وأزمة التفكير المستقل
- بين البداهة والوجود - تفكيك دعوى إنكار البديهيات والواقع
- قانون عدم التناقض والثالث المرفوع؛ عماد العقل ومنطلق الحياة
- في رحاب الحقوق - حوار ومجالسة لفهم عمق الكلمة وسمو المعنى (الحلقة الاولى )
- ❖ هل يتنحّى العقل عند عتبة الوحي؟
- حوار في فلسفة القصاص الإلهي
- في رحاب المحرم - منبر الوعي لا منبر الشعارات والتجهيل
آخر الأسئلة و الأجوبة
- هل يمكن أن نختزل ثورة الإمام الحسين بالبكاء كما يصوّره لنا بعض الخطباء ؟
- لايزال ذم المرأة في عصر الحداثة وكونها ناقصة العقل ..كيف تردون على ذلك ؟
- متى نرى فقه الواقع أحكاماً وعقائداً ؟
- ما المقصود بالتعارض البدوي في الروايات الشيعية ؟
- كيف تفسرون مقولة: نصف العلم قول لا أعلم؟
- شبهات حول عرض الحديث على القرآن
- كيف تفسرون موقف السيدة زينب الذي أسقط النسخة المزيفة للإسلام الأموي؟