❖ هل يتنحّى العقل عند عتبة الوحي؟
❖ هل يتنحّى العقل عند عتبة الوحي؟
✒️ يحيى عبد الحسن هاشم
الحلقة الأولى من برنامج "نحو عقل راشد"
أفق المعرفة | صناعة الوعي
▫️ تمهيد:
من القضايا التي كثر تداولها في الأوساط الدينية والفكرية، مقولة: "إذا أوصلنا العقل إلى الوحي، فعليه أن يتنحّى".
وهي مقولة ظاهرها تواضع أمام النص، وباطنها إقصاءٌ خفيٌّ لوظيفة العقل بعد لحظة الإيمان، فتجعل من الوحي نصًا مغلقًا، ومن الإنسان آلةً تتلقى، لا عقلًا يتفكر ويفقه.
فهل هذا الفهم صحيح؟ وهل يتفق مع القرآن والعقل والمنهج العلمي الرصين؟
▫️ أولًا: وظيفة العقل في ضوء القرآن
القرآن الكريم لم يكتفِ بجعل العقل وسيلةً للهداية، بل جعله مناطًا للتكليف والنجاة.
بل إنّ أعظم المحاججات القرآنية إنما كانت بالعقل، مثل قوله تعالى:
﴿أفلا تعقلون﴾، ﴿لقوم يتفكرون﴾، ﴿لقوم يفقهون﴾، ﴿إن في ذلك لآيات لأولي الألباب﴾.
والألباب هي العقول التي لم تُلغَ، بل وُجهت نحو فقه النص وفهم مقاصده.
ومن يتتبع موارد الحث على تفعيل وإعمال العقل في القرآن الكريم لعلها وصلت ( 60 ) مرة أو أكثر .. بصيغ مختلفة .
▫️ ثانيًا: العقل ليس نقيضًا للنص
المقولة السالفة تنطلق من مفهوم ثنائي زائف: أن العقل إذا أوصل للوحي انتهى مفعوله، أو العكس.
لكنّ العقل السليم لا يُفسد النص، بل يفكّ رموزه، ويكشف عن أعماقه، ويستنطق مقاصده.
وهذا هو منهج العلماء الراسخين، الذين قال الله عنهم:
﴿والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا﴾ – وهم من يجمعون بين التسليم والنظر، بين الإيمان والتدبر.
▫️ ثالثًا: الرواية ليست فوق التمحيص
العقل هو الذي يُميز الصحيح من الموضوع، ويزن الدليل بميزان الدراية لا الرواية فقط.
وقد عُرف في علم الحديث ما يُسمى بـ"علم الجرح والتعديل"، وهو في جوهره اجتهاد عقلي لتحرير الرواية من الخلل.
فكيف يصحُّ أن نقبل العقل في مرحلة التوثيق ثم نلغيه في مرحلة الفهم؟!
▫️ رابعًا: خطورة هذا الاتجاه
1. يحوّل الشريعة إلى حروف جامدة، تُردّد بلا وعي ولا تفاعل.
2. يغلق باب الاجتهاد، ويفتح باب الجمود والقولبة والاتّباع الأعمى.
3. يلغي مسؤولية الإنسان عن الفهم والتطبيق، ويخلق جيلًا من المنفّذين لا المفكرين.
ولهذا، يمكن أن نُسمي هذه المقولة بأنها "نصف إخبارية"؛ لأنها تقبل بالعقل في النصف الأول (الدلالة على الوحي)، ثم تجهز عليه في النصف الثاني (فهم الوحي وتأويله).
▫️ خاتمة:
العقل لا يتنحّى عند باب او عتبة الوحي والنص، بل يدخل معه ويلازمه ويستنير به.
والوحي نُزّل لعقل يُفكّر، لا لنسخٍ تردد.
والدين، كما نفهم من بعض النصوص يعطي للعقل منزلة الهداية, وإنّ الله لم يُعطِ أحدًا شيئًا أفضل من عقل يُهديه.
أخيراً ؛
🔸 برنامج نحو عقل راشد هو نحو فهم راشد للوحي الذي يحكي عن النص، ونحو أمة تُبنى بالهداية، والعقل رسالتها في الوجود.
إخترنا لكم
- في رحاب الحقوق - حوار ومجالسة لفهم عمق الكلمة وسمو المعنى (الحلقة الاولى )
- ❖ هل يتنحّى العقل عند عتبة الوحي؟
- حوار في فلسفة القصاص الإلهي
- في رحاب المحرم - منبر الوعي لا منبر الشعارات والتجهيل
- افق المعرفة: مشروع تأصيلي لإحياء العقل وبناء الوعي
- المثلية والشذوذ الجنسي وتأثيراتها في العصر الحديث (دراسة قرآنية)
- حين ينطق الكون ، حوارات في العقل والإيمان - الحلقة الأولى
- سُنّة التواضع العلمي في ضوء التفسير الموضوعي
آخر الأسئلة و الأجوبة
- ما صحة هذا القول : إنّ الشيعة لا يحتاجون لعلم الجرح والتعديل؛ لان عندهم المعصوم
- كيف نخلق ثقافة المحبة وخلق الإبتسامة في المجتمع
- ماهو منهج الفيض الكاشاني في كتابه الوافي ؟
- شبهات حول عرض الحديث على القرآن
- متى نرى فقه الواقع أحكاماً وعقائداً ؟
- ماهو المراد من هذه العبارة : الجرح امر وجودي والتعديل عدمي
- ما هو الفرق بين القيد الاحترازي والتوضيحي وما هي الثمرة العملية