حكم الغناء في الشريعة الإسلامية - دراسة فقهية مقارنة
حكم الغناء في الشريعة الإسلامية - دراسة فقهية مقارنة
تأليف: الدكتور يحيى عبد الحسن الدوخي
عدد الأجزاء: جزء واحد
عدد الصفحات:200
نشر: بستان كتاب - قم المقدسة.
الطبعة: الأولى-1432 هـ.
الغناء من المسائل التي نرى من المناسب الكتابة فيها, وأن نبين فحوى هذه المسألة, فهي جديرة بالبحث ؛ لأنها مبهمة عند كثير من الشباب المسلم, وكذلك هي من المسائل الخلافية عند المذاهب الإسلامية, والأهم من هذا كله, هو أننا نعيش في عصر انتشر فيه الغناء بصورة ملفتة للنظر بحيث أصبح لشريحة من المجتمعات جزء مهم من حياتهم ؛ بل لعله عند البعض يشكّل كل حياتهم, ونرى أغلب الناس قد اشرأبت قلوبهم ولهاً به ، وحباً له.
واليوم أصبح التلفاز والفضائيات والشبكة العنكبوتية( الانترنيت) الوسيلة الأكثر شيوعاً في جذب الشباب المسلم ولا يخلو بيتاً من هذه الوسيلة ؛ لأنها النافذة المفتوحة على العالم, ومن خلالها نرى الغناء والموسيقى تصدح صباحاً ومساءً , بل نجد أنّ هناك قنوات فضائية قد خصصت لهذا الغرض, وبشكل فاضح تجاوزت فيها حدود الأدب والعفة والذوق الإنساني, ولعل الإنسان غير المسلم تجد مشاعره تمج وتنبذ هذه الأمور التي تعكس عدم الخلق والانحلال غير المسؤول وغير المنضبط, مع أن الفطرة السليمة السوية تتناغم مع كمال الإنسان من خلال توازنه وخلقه وأدبه.
وأيضاً نجد أن الغناء أصبح مهنة تمتهن, ووسيلة لكسب العيش من خلال البيع والشراء له.
لذا كان من الواجب بيان ماهية هذه المفردة (الغناء) وإلقاء الضوء عليها لكشف جوانبها المختلفة, فقد اختلف العلماء في هذه المسألة على نحوين:
منهم من قال بالتحريم مطلقاً: سواء اشتمل على المحرم أو لا, فهو بنفسه وذاته حرام.
ومنهم من قال بالتفصيل: وأقصد به اشتماله على أفعال محرّمة ، فان لم يتضمن شيئاً من ذلك جاز.
فقالوا إنّ الغناء من الظواهر الإنسانية التي تشترك فيها كلّ الأمم ، فكلّ أمة من الأمم لها غناء يناسبها شعورياً ووطنياً ، وهذا من خصائص الطبائع البشرية. فالإنسان له حواس كثيرة ، كلّ حاسة لها ما تفرغ فيه ، فالعين تستملح المناظر الخلابة التي تدل على الخالق ، و الإذن تستلذ الأصوات الطيبة ، وتكره وتنفر من الأصوات القبيحة.
فإذا استمع المرء إلى صوتٍ يذكر حقاً من الحقوق ، و أدباً من الآداب ، وخال من كلّ ما حرّم على المسلم ، فزاد المسلم في إيمانه ، وزاد وقاره ، وبهاء عقله ، فما من شكٍ في حل ذلك.
أمّا إذا استمع إلى صوتٍ يذكر ما لا ينبغي للمؤمن أن يذكره أو يستمع إليه ، أو صحب سماعه لهذا الصوت استعمال ما نهى عنه الرسول صلى الله عليه و آله كاستعمال المعازف ، فجرَّ هذا الصوت على المؤمن استحسان ما كان يستقبحه ، ونقص عقله في البهاء وذهب حياؤه ، و قلت مروءته فلا شكّ في حرمة سماع هذا الصوت.
والحاصل من كلماتهم: أنّ سماع الغناء المشتمل على ذكر الأخلاق السامية ، والمُثل الرائعة في الإسلام ، الخالي من أدوات العزف ، السالم من فحش الحديث لا حرج فيه.
أمّا سماع الغناء المصحوب بآلات المعازف ، المشحون بكلّ ذكر لما يغضب الله من حديثٍ عن حب النساء ، وجمالهن ، وعشقهن فما من شكٍ في حرمة هذا السماع.
ومن ثم رتّبوا النتيجة على هذا القول: مدعين أن الأصل في الأشياء الإباحة لقوله تعالى: { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً }([1]) ، ولا تحريم إلا بنص صحيح صريح من كتاب الله تعالى ، أو سنة نبوية طاهرة ، فإذا لم يرد نص ولا إجماع, أو ورد نص صريح غير صحيح ، أو صحيح غير صريح ، بتحريم شيء من الأشياء ، لم يؤثر ذلك في حليته ، وبقى في دائرة العفو الواسعة.
قال تعالى: { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ }([2]).
ولأهمية هذا الموضوع وما قيل فيه لابد أن نطرح تلك الأقوال على بساط البحث ونناقشها بموضوعية وعلمية ، لنرى حكم الشريعة التي لم تخل واقعة عندها من حكم .
سبب اختيار البحث :
إن سبب اختياري للبحث في هذه المسألة هي أنها محل ابتلاء لكثير من الناس لاسيما الطبقة الشابة منها ، أضف إلى ذلك أصبح الغناء مهنة تمتهن ، وأصبح الناس يتاجرون في هذه ألاغاني في الأسواق ، لاسيما الأغاني المبتذلة والتي تنافي الحشمة والذوق ، فهل غاب الشرع عن هؤلاء ، ولماذا هذا التهافت على الغناء بهذه الصورة الملفتة للنظر؟
لذا جاء هذا البحث لكشف ماهية هذه المفردة ودراستها بشكل تفصيلي وبيان رأي الفقهاء من كلا المدرستين بشكل واضح لا لبس فيه ولا غموض ، وإعطاء الحكم الشرعي له.
ضرورة البحث وأهدافه :
تكمن ضرورة البحث وأهدافه بالنقاط التالية:
1- إعطاء فكرة عن الغناء وإنه قد اختلف في حكمه الفقهاء ، فهناك من حرّمه بصورة مطلقة وهناك من فصّل وأباح ، وهذه الأنظار الفقهية تنصّب على مافهمه الفقيه من النصوص الشرعية ، فهناك من تقيّد بالنص ورأى أن الغناء حرمته ذاتية ؛ لكثرة الروايات الناهية عنه بنفسه وليس لعارض يعرض عليه ، وهناك من رأى أن الغناء أنما يحرم لعارض ، وهو ما يكتنفه من أمور خارجية تحيط به فتحوّل المباح إلى حرام ، فالأصل هو الإباحة.
2- بيان الحق من هذه الأقوال ، فالحرمة التي يقول بها الفقهاء رضوان الله عليهم ناظرة إلى ما يترتب عليه من مفاسد أخلاقية واجتماعية.
3- وهذا لا يعني أن كل غناء حرام ؛ بل أن الحرام ينصب على ما يميّزه العرف ويقول أنه غناء فعلاً.
4- إن الغناء هو صوت وهذا الصوت قد يأخذ لوناً نافعاً وله قيمة معنوية ، فالمدار على ما يحتويه هذا الكلام من مضمون ومحتوى ، فقد يكون نزيهاً وبريئاً ، وقد يكون العكس ، فلابد من تحديد وتشخيص الموضوع ثم يلحق الحكم به .
5- هناك من خلط بين مفهومي الغناء والموسيقى ، فقد يشتركان في إصدار الصوت، ولكن الموسيقى والمعازف تغاير معنى الغناء، فالموسيقى علم له ضوابطه وأحكامه، وأصبح اليوم من الظواهر والفنون الإنسانية ، فبعض أنواع هذا الفن محلل ، وبعض أنواعه محرم ، فالمحلل منه يجوز الاستماع له ، والمحرم منه لا يجوز الاستماع له([3]).كما سيأتي بيانه مفصلاً .
6- والهدف الأساس من هذا البحث أنه يجب على الإنسان المؤمن أن يلتزم بخط الشريعة ويحتاط في هذا الحكم ؛ لأن الروايات الكثيرة والمستفيضة - والتي لعلها وصلت إلى التواتر الإجمالي- قد نهت عنه وحرمته.
احتط لدينك ما تستطيع فيه وسل * عما جهلت ولا تقف بلا سند
سجل أمورك في الدنيا لخالقها * وعج لأخراك فالدنيا إلى فند
منهجنا في البحث :
أما المنهج المتبع في هذا البحث فهو المنهج الاستقرائي التحليلي ، وكذا المنهج الاستدلالي ، فقد استقصينا واستقرأنا الموارد التي تكلمت حول الغناء ، وتتبعنا الآيات والروايات القائلة بالحرمة أو التفصيل أو الإباحة ، آخذين بنظر الاعتبار أقوال العلماء التي تبنّت هذه الرؤى ، وكذلك سلطنا الضوء على التفاسير التي كشفت ما يحويه النص وما يؤمن به المفسّر من خلال رؤيته التفسيرية ومدى تعاطيه لهذه المفردة.
ثم ناقشنا هذه الأقوال وفق الأسس والمعايير العلمية والموضوعية ، واستنتجنا واستخلصنا في نهاية الأمر الحكم الشرعي للغناء الذي يتواءم ويتلاءم مع معطيات الشريعة الإسلامية السمحاء.
جديد البحث :
حسب تتبعي لهذا الموضوع فإن الغناء قد ذكره الفقهاء في بحوث ضمنية واستطرادية في المكاسب المحرمة ، ولم نجد من أفرد له بحثاً مستقلاً وخاصاً ، أضف إلى ذلك لم تهتم هذه البحوث بآراء المدرسة السّنية وكيف تعاملوا معه ، وما هي أحكامهم عليه ، فجل أبحاث مدرستنا الشيعية لاسيما في هذه المسألة مقتصرة على بيان آراء علمائنا فقط.
وكذلك الأمر ينسحب على المدرسة الاخرى ، ولعل أول من طرح هذه المسألة هو ابن حزم الظاهري وتبعه الغزالي والشيخ شلتوت ولكن بصورة مقتضبة في كتابه الفتاوى وكذلك الدكتور محمد عمارة في كتابه (الغناء والموسيقى حلال أم حرام) ولأخير لم تكن أبحاثه موثقة بالأدلة والشواهد الكافية ، لمعالجتها بشكل وافي ، وجل كلماته يغلب عليها السبك الأدبي ، الذي يفتقد إلى الطرح العلمي الرصين والموثق .
وكذلك طرحت هذه المفردة على لسان الشيخ القرضاوي في كتابه( الإسلام والفن) ولكنه اقتصر على وجهة نظر مدرسته فقط ، أضف إلى ذلك كان البحث مختصراً ، ولم تطرح آراء جميع الفقهاء سواء المعارض أو الموافق بشكل مفصل، وكيفية استدلالهم ، لاسيما ابن حزم الظاهري والشوكاني وابن القيم الجوزية وغيرهم من كبار هذه المدرسة ، ولكننا نجده تبنى وجهة النظر الغزالية فنسج على منواله وتبنى آرائه ولم نجد جديداً في طرحه.
فجاء هذا البحث ليدمج آراء كلا المدرستين وبيان فقهائهم في هذه المسألة المهمة ، لكي يكون البحث أكثر ثراءً ونفعاً.
تحميل الملفإخترنا لكم
- ظاهرة الغلو في الدين .. مقاربات ومعالجات
- تكريمنا في المهرجان العالمي البحثي لاسبوع التحقيق السنوي
- رويكردى نو حديث غدير ( مقاربة جديدة في حديث الغدير )
- قناة كنوز المعرفة / قناة فكرية تخاطب العقل الإنساني الواعي
- تطبيق " صدرنا " كتب وبحوث المفكر الإسلامي محمدباقر الصدر
- صدور كتاب النظرية المهدوية في واقعها العقلي والروائي
- العلم الإجمالي وتطبيقاته على النصوص الحديثية والكلامية
- دراسة حديثة تتناول مناهج المحدثين في التشدد والتساهل والاعتدال وانعكاسه على التراث الحديثي
آخر الأسئلة و الأجوبة
- لماذا يتأوه أمير المؤمنين من قلة الزاد ووحشة الطريق ؟
- هل يمكن أن نختزل ثورة الإمام الحسين بالبكاء كما يصوّره لنا بعض الخطباء ؟
- هل أن الشيعة لهم علم في الجرح والتعديل
- ماهي معايير الشيخ الكليني في تعارض الأحاديث
- ما هو الفرق بين القيد الاحترازي والتوضيحي وما هي الثمرة العملية
- كيف تقرؤون المفاهيم القيمية والإنسانية عند الإمام الكاظم (ع)
- هل ان الحديث المقطوع هو نفسة الحديث المعلق؟