كتاب ظلامة الزهراء في روايات أهل السنة - دراسة حديثية تأريخية تحليلية
كتاب ظلامة الزهراء في روايات أهل السنة - دراسة حديثية تأريخية تحليلية وفق المباني السنية في علم الجرح والتعديل
تأليف: الدكتور يحيى عبد الحسن الدوخي
عدد الأجزاء: جزء واحد
عدد الصفحات: 290
نشر مؤسسة الكوثر للمعارف الاسلامية
الطبعة: الأولى 1428 هـ
مقدمة العلاّمة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي على الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
وبعد.
فإننا نشهد في السنوات الأخيرة هجمة شرسة على أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام، من دون أن يراعى رواد هذه الهجمة أدنى درجات الإنصاف، أو الموضوعية، فضلاً عن أن يراعوا الشكليات، أو أبسط آداب الخطاب؛ فإنَّ أظهر سمات خطابهم هذا هي الرعونة، والغلظة، والخشونة البالغة. رغم أن هؤلاء أنفسهم يبدون في غاية الانضباط والتواضع، والنعومة والرقة، حين يخاطبون غير الشيعة، حتى لو كانوا أشر الأشرار، وأعظم الفجار، من عتاة الصهاينة، وطواغيت الأرض، ومرتكبي المجازر العظمى في حق المسلمين في فلسطين وغيرها.
ولعل سبب حرصهم على التعبئة ضد شيعة أهل البيت ،أمران:
أحدهما: ظهور الشيعة كقوة سياسية مؤثرة، وقادرة على مقارعة قوى الاستكبار العالمي بصلابة وحنكة، ونجحت في بث الوعي - ليس فقط لدى عامة شباب الأمة ـ وأثارت الاهتمام بالإسلام، لدى المثقفين والمفكرين في أكثر بقاع الأرض، على اختلاف مللهم ونحلهم، وتوجهاتهم.
كما أن الشيعة قد حققوا إنجازات هامة جداً حين أقاموا دولة الإسلام في إيران، وعملوا على بنائها على أسس صحيحة وسليمة، وبلغوا خلال أقل من ثلاثة عقود درجات رفيعة من التقدم والرقي، لم تكن تمر في وهم أحد من الناس، رغم ما واجهته هذه الدولة من الحروب الصعبة والطويلة، ورغم الحصار المتواصل، والعراقيل الجمة التي لا يزال المستكبرون وأذنابهم يضعونها في طريق استقرار تلك الدولة الفتية.
ثانيهما: الثورة العارمة في عالم الإنترنت والكمبيوتر، فإنها استطاعت أن تسقط أسواراً هائلة كانت عقول الناس مسجونة في داخلها، وكانت ثقافاتهم، وعقلياتهم ومشاعرهم، ونفسياتهم، رهينة بيد فريق يتولى هو صناعتها وتكوينها، وصياغتها، وفق مواصفات معينة اختاروها على ما سواها.
فلا يصل إلى الناس إلا ما يختارون هم وصوله لهم، ولا يتعلمون ولا يعرفون إلا ما يريدون لهم أن يعلموه أو يعرفوه، ولا يحبون ولا يبغضون إلا من يسوقون لهم حبه أو بغضه.
نعم، لقد جاء الإنترنت ليطلق المارد الإنساني من أسره، وليسقط الأسوار التي كان العقل قد سجن خلفها، وقد أغرق الفريق الذي وضع نفسه موضع المناوئ للشيعة في استفادته من هذه الوسيلة في تغذية الحقد الطائفي، ونَشَر مئات إن لم يكن الآلاف من المواقع للتشنيع على الشيعة، وكيل التهم لهم.
أما الشيعة، فقد كانت استفادتهم من هذه الوسيلة محدودة ومتواضعة جداً بالقياس إلى حجم استفادة الطرف الآخر منها. ولكن ما قدموه من حقائق دامغة، ومن تراث حي قد فاجأ الآخرين، لما يرونه فيه من صدق وصفاء، ورونقٍ وبهاء، ومن انسجام تام مع ما تقضي به الفطرة، ويحكم به العقل السليم، وظهور موافقته لمعايير البحث العلمي الموضوعي والرصين.
واطَّلع الكثيرون على اعتقادات الشيعة، وفكرهم، وفقههم، وتاريخهم. وعرفوا مدى الظلم الذي نالهم من خصومهم.
وأفلت الزمام من يد الذين كانوا يهيمنون على عقول الناس، ويمنعونهم من قراءة فكر الشيعة، ويجهدون لمنعهم من الاتصال بهم، والسماع منهم، ويشككونهم بكل قول أو فعل يصدر عنهم، لقد أفلت الزمام، وأصبح بإمكان الشاب أن يقرأ ما يشاء، ويدع ما يشاء، وكثير منهم صار يعبر عن استيائه من التجهيل الذي مورس عليه، وعلى أهله وأحبائه من قبله.
فثارت ثائرة أصحاب الفكر الإقطاعي، وطاشت عقولهم، ودهشت ألبابهم، فصبوا جام غضبهم على الشيعة وعلى كل ما ينسب إليهم أو يأتي من قبلهم، وحيث إنهم كانوا يدركون ضعف حجتهم، وبوارها، فقد عملوا على إثارة الأحقاد، والعصبيات المذهبية، وعلى تعبئة أهل السنة عموماً، وشبابهم على وجه الخصوص ضد الشيعة، ليوجدوا حاجزاً نفسياً بينهم أولئك وهؤلاء، مستعينين بقاموس شتائمهم واتهاماتهم، التي أغدقوها على أتباع أهل البيت عليهم السلام بقسوة وغزارة.
ولكنهم حاولوا تطعيم ذلك كله بتهم باطلة، ألبسوها لباس الحق، وأعطوها سمة الدليل والحجة.
وظهروا على أولئك البسطاء، وهم يتأبطون كيساً يزعمون أنه مملوء بجواهر الحجج والبيّنات، وهو في الحقيقة مملوء بالأباطيل والترهات..
وهذا الكتاب الذي بين يدي القارئ الكريم المسمى بـ «ظلامة الزهراء في روايات أهل السنة» قد تكفل ببيان جانب من الزيف والزيغ الذي قدّمه أحدهم، وهو المسمى بـ «عبد الرحمن الدمشقية» للناس، زاعماً لهم أنه علم وهدى، وما هو في الحقيقة إلا عمى وردى.
وفق الله مؤلف هذا الكتاب، وهو العلاّمة الجليل الشيخ( يحيى عبد الحسن الدوخي)، وأثابه على عمله بما يثيب به أولياءه المخلصين، والعلماء العاملين، وسدده لكل خير وصلاح وفلاح، ونجاح. إنّه خير مأمول وأكرم مسؤول.
جعفر مرتضى العاملي
بيروت في 21 / 5 / 1428 هـ . ق
الموافق 7 / 6 / 2007 م. ش
لمحة عن الكتاب :
كلمة لابد أن تقال
يخطئ من يظن أن وقائع التأريخ وحوادثه أمور غابرة عفا عليها الزمن وطواها النسيان؛ لأن كثيراً منها مازال يعيش في وجدان الحاضر وأعماقه، فدراسة التأريخ واجترار أحداثه والاطلاع على تفصيلاته، لم يكن ترفاً علمياً محضاً، وأن الحديث عنه ليس من نافلة القول وفضوله؛ بل هي حاجة إنسانية ماسة لا يمكن تجاوزها أو الاستغناء عنها؛ إذ لا يمكن لأمة أن تنسلخ عن ماضيها وتتنكّر له، فهو يمثل جذورها الضاربة في أعماق التاريخ، ومادتها التي تستمد منها الحياة والبقاء. فمعرفة أحداث التأريخ، وتحليلها، والوقوف عندها، واستلهام الدروس والعبر من مواطن الخطأ والصواب، لها بالغ الأثر على واقع الحاضر ودفعه نحو مستقبل أكثر إشراقاً وتقدماً، فتأريخ بعض الأمم لم يكن سرداً لقصص تأريخية وحوادث سالفة؛ بل هو يمثل هويتها وحضارتها ووجها الحقيقي.
وأمتنا الإسلامية تمتلك تأريخاً حافلاً بالنقاط المضيئة، والأحداث الهامة، فيكفيه أنه شهد بزوغ فجر الإسلام على ربوع هذا العالم، الذي غيّر وجه البشرية، وأعطى للحياة لوناً زاهياً، وأكسبها قيمةً وسمواً؛ ولكنه لم ينج في الوقت نفسه كسائر التواريخ من تأثيرات العوامل السياسية والاجتماعية التي تغذيها الانحرافات الفكرية والعقائدية والأخلاقية، وتسلط الطغاة والظالمين على رقاب المسلمين، ما جعل حركة التأريخ تنحرف عن سواء السبيل، وأصبح المؤرخ يكتب ما تمليه عليه تلك العوامل والظروف، وهكذا أصيبت معظم مفاصل التأريخ الإسلامي بداء التحريف والتغيير، بما يخدم مصالح خاصة وأهواء معينة.
ولعل من أهم مراحل التأريخ الإسلامي حساسية ودقة، هو ما أعقب وفاة الرسول الأكرم الحدث الذي زلزل كيان الأمة الإسلامية وهزها من الأعماق، فقد أصيبت الأمة حينها بخطبين عظيمين:
الأول: هو فقد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله الذي لم يستوعبه كثير من المسلمين، ونزل على بعضهم كالصاعقة أفقدهم اتزانهم.
والثاني: تكالب الأمة وتنازعها في سقيفة بني ساعدة على من يخلفه ويتولى الأمر من بعده، والنبي لازال مسجى ولم يوار جثمانه الطاهر، بينما نجد وريثه الشرعي ومعه أهل بيته وأصحابه يؤدون وظيفتهم الشرعية في تجهيز النبي، وإقامة المراسم اللازمة، بقلوب منكسرة وأفئدة مفجوعة ليس على فقد النبي صلى الله عليه وآله حسب؛ بل على صنيع هذه الأمة التي سرعان ما تنكرت لنبيها، ولم تحفظ وصيته، ولم تلتزم بتعاليمه، فبدأت سلسلة من الفجائع والمصائب تترى على آل الرسول من بعده، وذلك بغصب حقهم، وإقصائهم عن مراتبهم التي رتبها الله فيها، ولم تنته حتى يأذن الله بإعادة الحق إلى أهله، وإرجاع الأمر إلى نصابه.
فكان من الطبيعي والحال هذه ان يواجه أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء عليهم السلام جل هذه المصائب والويلات، فكان وقعها شديداً على الزهراء فغصبوا حقها في فدك، وأحرقوا دارها، وأسقطوا جنينها، واقتادوا بعلها، على مرأى ومسمع من جميع المسلمين الذين لم يحركوا ساكناً، فذاقت الأمة والى يومنا هذا وبال صمتها، وقبولها لهذا الواقع.
وهذه الأمور والحوادث من تاريخ الأمة لا يمكن ان يتطرق إليها الشك، أو يعتريها الريب، فالقرائن والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى، ومع ذلك كله جاء من يشكك بهذه الحقائق- التي هي أوضح من الشمس وأبين من الأمس- ويثير حولها غباراً من الشبهات والتشكيكات الواهية كخيط العنكبوت، ليضيفوا بذلك ظلامة جديدة للزهراء وأهل البيت عليهم السلام، وكأنهم لم يكتفوا بفعل من سبقهم من أمثالهم، فجاؤوا ليكملوا ذلك المشوار، وينهجوا نفس النهج، يحدوهم النصب والعداء لأهل البيت ولا شيء غيره.
ولعل أكثرهم جرأة وأشدهم وطأة هو ابن تيمية الحراني الذي حمل لواء النصب والعداء لأهل البيت، فعمل جاهداً على التشكيك في كل فضيلة ومنقبة وظلامة لأهل البيت، فقلده من جاء بعده حيث مازالوا يجترون ما قاله ابن تيمية، وكان من بينهم المدعو عبد الرحمن الدمشقية الذي وظّف نفسه من أجل الحط من منزلة أهل البيت، ونفي كل ظلم وحيف وقع عليهم.
ومن إثاراته وشبهاته التشكيك بما تعرّضت له الزهراء وأهل بيتها من غمط للحقوق واعتداء على الحرمات؛ هذا والعهد قريب وتراب القبر لمّا يجف.
وعليه جاء هذا الرد لنثبت ما فنّده من هذه الروايات بأسلوب علمي وموضوعي، متبعين فيه نفس الأسلوب الذي اتبعه الخصم في معالجة الروايات وتصحيح طرقها، وإثبات أنّ هذه الواقعة لا يمكن تكذيبها أو التشكيك فيها، لأنّ مجمل ما نقله لنا رواة التاريخ وأهل الحديث وما حكاه الواقع، كلها شواهد صدق على ما نحن في صدد إثباته.
تحميل الملف
إخترنا لكم
- ظاهرة الغلو في الدين .. مقاربات ومعالجات
- تكريمنا في المهرجان العالمي البحثي لاسبوع التحقيق السنوي
- رويكردى نو حديث غدير ( مقاربة جديدة في حديث الغدير )
- قناة كنوز المعرفة / قناة فكرية تخاطب العقل الإنساني الواعي
- تطبيق " صدرنا " كتب وبحوث المفكر الإسلامي محمدباقر الصدر
- صدور كتاب النظرية المهدوية في واقعها العقلي والروائي
- العلم الإجمالي وتطبيقاته على النصوص الحديثية والكلامية
- دراسة حديثة تتناول مناهج المحدثين في التشدد والتساهل والاعتدال وانعكاسه على التراث الحديثي
آخر الأسئلة و الأجوبة
- كيف نفهم التجديد والحداثة وما هي قراءتكم له ؟
- كيف تقرؤون المفاهيم القيمية والإنسانية عند الإمام الكاظم (ع)
- هلاّ ارشدتني إلى كتب استطيع من خلالها الإلمام بعلم الجرح والتعديل
- ما صحة هذا القول : إنّ الشيعة لا يحتاجون لعلم الجرح والتعديل؛ لان عندهم المعصوم
- ماهي معايير الشيخ الكليني في تعارض الأحاديث
- حلاوة وزينة ذكر علي عليه السلام
- ماهي نصيحتكم لنا في قراءة البحوث القرآنية والعقدية ورد الشبهات؟