حرية الإنسان وحرمة التجسس في ضوء القرآن الكريم
حرية الإنسان وحرمة التجسس في ضوء القرآن الكريم
د.يحيى عبد الحسن هاشم
أولًا: حرية الإنسان في القرآن الكريم
القرآن الكريم يشير بوضوح إلى حرية الإنسان، ويعتبرها جزءًا من كرامته التي منحه إياها الله سبحانه وتعالى. من أبرز الآيات التي تؤكد على حرية الإنسان قوله تعالى:
{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}
[سورة الإسراء: 70]
هذه الآية تتحدث عن التكريم الذي يشمل حرية الاختيار، والتفكير، والاعتقاد، والعمل، مما يعكس احترام حق الإنسان في تقرير مصيره.
ثانيًا: حرمة التجسس في القرآن الكريم
القرآن الكريم نهى عن التجسس، مؤكدًا على أهمية حفظ خصوصيات الأفراد، وجاء النهي بصيغة عامة وقطعية، كما في قوله تعالى:
{وَلَا تَجَسَّسُوا}
[سورة الحجرات: 12]
الآية تنهي عن التتبع والتجسس على الآخرين دون مبرر شرعي، وهو ما يتنافى مع حرية الإنسان في حفظ خصوصياته. هذا النهي لا يتعلق فقط بتجسس الأفراد على بعضهم البعض، بل يشمل أيضًا كل محاولة لاختراق حياة الآخرين أو كشف ما يريدون ستره.
ثالثًا: التأكيد على ستر العورات وحفظ الكرامة
في القرآن الكريم أيضًا نجد الدعوة إلى ستر العورات، وهي تشكل جزءًا من احترام حرية الإنسان وحفظ كرامته. قال تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}
[سورة النور: 19]
هذه الآية تحث على احترام العفة والستر، وتؤكد على حرمة نشر عيوب الناس أو تتبع هفواتهم.
رابعًا: حفظ الأعراض والكرامة الإنسانية
قال تعالى:
{وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا}
[سورة الحجرات: 12]
الآية تأمر بتجنب الغيبة التي تمثل نوعًا من التجسس على الأعراض، بل وتعتبرها من الآثام. وبالتالي، فإن التحذير من التجسس يعد في سياق حفظ الأعراض وحماية كرامة الإنسان.
خلاصة التأصيل القرآني:
حرية الإنسان من المبادئ الأساسية في القرآن الكريم، حيث يتم تكريمه ويُحترم حقه في التفكير والاختيار.
التجسس محرم في القرآن الكريم، بشكل مطلق حتى بين الأزواج ، وهناك فتاوى شرعية بذلك، وذلك لأن هذا العمل يعتبر تعديًا على خصوصية الإنسان وكرامته.
الستر وحفظ الأعراض من أهم القيم التي يعززها القرآن الكريم، ويحث على عدم نشر العيوب أو تتبع هفوات الآخرين.
وقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تتبعوا عورات المؤمنين، فإنه من تتبع عورات المؤمنين تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في جوف بيته .
وهذا النص يجسد أهمية الستر وحفظ الخصوصية بشكل مطلق .
وأخيراً، لعل سائلاً يقول :
هل يجوز للزوجين أن يفتشا الموبايل لكليهما سراً أو بدون رضاهما .
الجواب:
كلا ويحرم ذلك مطلقًا؛ لأن الآية " ولا تجسسوا " حرمت ذلك، وكذلك النصوص الروائية تشدد على خصوصية حرمة الإنسان وعدم هتكه، فضلاً عن أن هذا العمل يدخل في سياق نشر الفاحشة وهو حرام.
إخترنا لكم
- حين ينطق الكون ، حوارات في العقل والإيمان - الحلقة الأولى
- سُنّة التواضع العلمي في ضوء التفسير الموضوعي
- صناعة الجهل - الحلقة الأولى: صندوق الجهل المُصنّع
- كيف أُربّي ابني "المشاكس؟ مقاربة تربوية معرفية
- حرية الإنسان وحرمة التجسس في ضوء القرآن الكريم
- الإرادة الحرة في الفكر الإسلامي والغربي - مقاربات عقلية ونصية
- ظاهرة الغلو في الدين .. مقاربات ومعالجات
- تكريمنا في المهرجان العالمي البحثي لاسبوع التحقيق السنوي
آخر الأسئلة و الأجوبة
- ماهي نصيحتكم لنا في قراءة البحوث القرآنية والعقدية ورد الشبهات؟
- ما هو الفرق بين القيد الاحترازي والتوضيحي وما هي الثمرة العملية
- ما هو التعريف الدقيق لمفهوم فلسفة الدين، وما هو المراد من الدين ؟
- هناك من يدعي المنافاة بين طول العمر والعادة المطردة لقصر العمر
- هل يمكن أن نختزل ثورة الإمام الحسين بالبكاء كما يصوّره لنا بعض الخطباء ؟
- ماهو منهج الفيض الكاشاني في كتابه الوافي ؟
- كيف لي أن أتقبل النقد ؟ وهل النقد حالة صحيّة ؟