كيف أُربّي ابني "المشاكس؟ مقاربة تربوية معرفية
كيف أُربّي ابني "المشاكس"؟
مقاربة تربوية معرفية لفهم الطفل كثير الحركة والانفعال
د.يحيى عبد الحسن هاشم
كثيرًا ما يُطلق على بعض الأطفال وصف "المشاكس"، في إشارة إلى سلوكياتهم غير المنضبطة، أو كثرة حركتهم، أو اعتراضهم المتكرر على الأوامر. لكن هذا الوصف – من وجهة نظر تربوية معرفية – ليس دقيقًا ولا عادلًا؛ لأن المشاكسة ليست جوهرًا في الطفل، بل سلوكًا تعبيريًا عن طاقة غير موجهة، أو انفعالات لم يُمنح الطفل أدوات التعبير عنها بصورة ناضجة.
التربية لا تبدأ بالحكم على السلوك، بل بفهم أسبابه. ومن هنا، فإن التعامل مع الطفل "المشاكس" لا يحتاج إلى القسوة أو الكبت، بل إلى قراءة أعمق لبنيته النفسية، واحتياجاته المعرفية، وطبيعة محيطه. في هذا السياق، نقدّم مقاربة علمية تربوية لفهم هذا النموذج من الأطفال، وتقديم خطوات تأصيلية للتعامل معه.
أولًا: فهم الطفل المشاكس – تفكيك المفهوم
الطفل المشاكس غالبًا ما يكون:
كثير الحساسية تجاه القيود المفروضة عليه.
ذو طاقة داخلية عالية تتطلب مخرجًا جسديًا أو ذهنيًا.
باحثًا عن الانتباه أو التأكيد الذاتي في محيط لا يشعر فيه بالأمان النفسي.
إن شغبه ليس عنادًا بالضرورة، بل قد يكون صرخة غير ناضجة لشعور داخلي: "أنا هنا... فافهموني لا تعاقبوني".
ثانيًا: المبادئ التربوية للتعامل مع هذا النمط من الأطفال
1. من الضبط إلى الفهم
الطفل "المشاكس" ليس حالة خاطئة بل طور تكويني يحتاج إلى فهم المرحلة النمائية المرتبطة بالحركة، والفضول، والحاجة للانطلاق. كل تربية تبدأ بالفهم، لا بردّ الفعل.
2. من العقوبة إلى التوجيه
العقوبة قد تُخيف، لكنها لا تُعلم. بينما التوجيه القائم على الهدوء، واستخدام اللغة الحازمة بلا قسوة، يُرسّخ المعنى ويصنع الثقة.
3. من التوبيخ إلى المرافقة
التربية ليست إخضاعًا، بل مرافقة شعورية وفكرية للطفل. هذا النمط من الأطفال يحتاج لمن ينزل إلى مستواه، لا من يعلو عليه، ويُشاركه إدارة الطاقة لا قمعها.
ثالثًا: خطوات عملية تربوية للتعامل مع الطفل المشاكس
1. تحويل السلوك إلى طاقة منتجة:
بدلاً من منعه من الحركة، وجّه نشاطه نحو الرياضة، المشاركة المنزلية، أو الألعاب الذهنية الحركية.
2. تقديم الخيارات بدلاً من الأوامر:
الطفل المشاكس يرفض السيطرة. اعرض عليه بدائل منضبطة:
"هل تُفضل أن تبدأ بترتيب سريرك أم ملابسك؟"
3. الثناء الذكي بدل المديح المجرد:
امدح الفعل لا الشخص. قل: "أعجبني أنك أمسكت بالقلم بهدوء"، لا: "أنت طفل جيد"، ليربط التقدير بالسلوك لا بالشخصية.
4. زرع نظام يومي وروتين واضح:
هذا النوع من الأطفال يحتاج إلى جدول واضح ومحدد، يمنحه الأمان ويخفف من الفوضى الداخلية.
5. الإنصات بدل التوبيخ:
استمع إليه حين يغضب: "أخبرني ما أزعجك؟"، وستفاجأ أن نصف الشغب كان صرخة للفهم.
رابعًا: المحذورات التربوية مع الطفل المشاكس
لا تُعاقبه أمام الآخرين، لأن كرامته تغلب خوفه.
لا تكرر وصفه بـ"الشقي" أو "المزعج"، فيتحول الوصف إلى هوية.
لا تُقارن بينه وبين إخوته، لأن ذلك يُشعره بالرفض والتمييز.
ختامًا ؛
الطفل المشاكس ليس مشروع فشل، بل مشروع طاقة كامنة تنتظر أن تجد من يحسن توجيهها.
والمربّي الحقيقي لا ينظر إلى "الضجيج"، بل إلى النداء الخفي خلفه:
"افهمني... فأنا لا أعرف كيف أعبّر عن نفسي إلا هكذا."
فليكن شعارنا التربوي معه:
"لا توبخه... رافقه."
إخترنا لكم
- حين ينطق الكون ، حوارات في العقل والإيمان - الحلقة الأولى
- سُنّة التواضع العلمي في ضوء التفسير الموضوعي
- صناعة الجهل - الحلقة الأولى: صندوق الجهل المُصنّع
- كيف أُربّي ابني "المشاكس؟ مقاربة تربوية معرفية
- حرية الإنسان وحرمة التجسس في ضوء القرآن الكريم
- الإرادة الحرة في الفكر الإسلامي والغربي - مقاربات عقلية ونصية
- ظاهرة الغلو في الدين .. مقاربات ومعالجات
- تكريمنا في المهرجان العالمي البحثي لاسبوع التحقيق السنوي
آخر الأسئلة و الأجوبة
- ما المقصود بالتعارض البدوي في الروايات الشيعية ؟
- كيف نخلق ثقافة المحبة وخلق الإبتسامة في المجتمع
- ما مدى صحة قول الزهراء لعلي " اشتملت شملة الجنين وقعدت قعدة.. الخ"
- كيف تفسرون موقف السيدة زينب الذي أسقط النسخة المزيفة للإسلام الأموي؟
- ما الفرق بين الاحتياط الوجوبي والاستحبابي ، من حيث دلالة الدليل و فعل المكلف
- هل أن الشيعة لهم علم في الجرح والتعديل
- ماهي معايير الشيخ الكليني في تعارض الأحاديث